Tuesday, October 20, 2009

سليمان و شلوميت

ملحوظة : أحداث تلك القصة ليست فقط من محض الخيال و لكنها لا تمت للواقع بأي صلة بتاتاً ، فقط واحدة من لاذعاتي التي عهدتونهم فيا .
ما هذا ؟ أين أنا ؟ حالة غريبة من الوعي و موقف يجمع ملكين احدهما عبداً للآخر. عجزت لحظة عن التفكير إلا إنني تداركت ثباتي و رفعت عيني نحوه بابتسامة امتنان قائلاً :" اعط عبدك قلباٌ فهيماً "
دعونا نعود قبلها بفترة زمنية كافية ، أنا الولد الذي يشير نحوه الجميع قائلين بكل حرفية عندما يهل :" أوصنا الآتي ابن داود "
نعم ، أنا ابن داود ، الملك العظيم ، ابنه من واحدة من سراريه تدعى بتشبع . تناثرت الأقوال و قيل إن أمي في نظر المجتمع امرأة زانية فقد تزوجها الملك بعد أن أغراها شكله و هي تستحم ، بعد أن زنى معها ، بعد أن قتل زوجها . لم يكن جميع من كانوا في القصر يحتاجون لأن يعبروا عن وجهة نظراتهم فيا ، كنت أقرأها في عيونهم دون أن يقولونها " ابن الزانية "
في البداية ، لم أكن أصدق هذا ؟ كيف أصدق هذا عندما أراقب أبي و هو يعزف أمامي على القيثارة محاولاً تعليمي عزفها ؟ كيف أصدق هذا و أنا أصغي إلى أبي عندما يتحدث عن الرب و أجده يقول في سعادة الأطفال مع كل حكاية يتلوها إن الله ذات يوم قال على قلبيهما إنهما متشابهين ؟ كيف أصدق هذا على تلك الأم الصالحة التي لم أر يوماً أطهر أو أحن منها ؟
لم تستمر تلك النظرة كثيراً . تساؤلات "كيف أصدق؟ " لم تعد تتردد عليا مرة أخرى منذ أتت مرة و لم تجد ذلك الطفل الذي كان دوماً يقتنع و لا يصدق بل وجدت مراهقاً كبير يعاني و هو ينظر لها قائلاً لها :" يا أيتها التساؤلات ، اعطيني تبريراً واحداً يجعل الملك يعد بأن أكون أنا ولي العهد على الرغم من تعدد البنين و الأخوة " صمتت التساؤلات و ترقرقت على عينيها دمعة و مضت دون رجعة تاركة خلفها مراهق تأكد إنه ابن زانية لا يتحمل أن يكون موجوداً في تلك الحياة .
مرت سنين و الحقيقة تتوارى بالتراب و يصير ابن الزانية ملكاً إلا إن ابن الزانية لا ينسى .
كل ذلك تذكرته و أنا شاخص لشبية ابن الآلهة الذي تجلى لي في حالة وعي غريبة قريبة للحلم أو الدهش . طلب مني أن أطلب طلب فمرت كل تلك الذكريات و وجدت نفسي –و لدهشتي- أنظر له بابتسامة امتنان :"اعط عبدك قلباً فهيماً"
وضع يده على فمه مطرقاً مفكراً و هو يقترب مني ثم وضع يديه على كتفي :" قرار حكيم يا سليمان ، تريد قلباً فهيماً ، القلب لكي تعتمد على المشاعر و الفهم لتجد تفسيراً منطقياً تستطيع أن تجد به حلول جذرية للصراعات الداخلية القائمة داخلك بين ابن الزانية و ابن الملك . تريد ارشاد ؟ تريد أن يتسلط الرب على قلبك فيصير بهذا قلبك مسكناً لملكوت السموات و بره ؟ حسناً قلت فأنا أمنحك هذا و الباقي كله يزاد لك من ثروة و سلطة و سراري . غداً يا سليمان ، سوف يأتيك سر الحكمة "
و أستيقظت . أهكذا كان الأمر ؟ أهو بتلك البساطة ؟ هل أصبحت الآن....حكيماً ؟ و إذا كان فلماذا لا أشعر بأي راحة داخلية أو أي حلول للحروب النفسية ؟
عللت الأمر بأنه حلم ليلة صيف و بدأت بمباشرة أعمالي و ظللت اليوم بطوله منهمكاً للدرجة التي معها نسيت أمر ذلك الحلم .
انتهى اليوم ، كنت مجهدأ و لم يعد في مقدوري القيام بأي أمور أخرى . هممت بالعودة إلى حجرتي حتى أنال بعض الراحة حتى سمعت تلك الجلبة في الخارج .
-"ما الأمر ؟ "
-"لا تزعج بالك يا جلالة الملك "
أمرته بحزم فطفق يحكي إن تلك الجلبة سببها زانيتين تقفان على الباب تتنازعان على طفل تصممان أن تدخلا للملك حتى يعدل بينهما و يقرر من فيهما الأحق بالطفل . كان يكتم ابتسامة استخفاف و هو يحكي "غداً يا سليمان... " كان يبتسم تلك الابتسامة لأنه كان متأكداً إن الأمر مجرد صفر على الشمال بالنسبة لي و كان ليكاد يجزم إنني سأضحك بعد أن يتلوها إن لم يكن يتلوها لتسليتي و حتى يجعلني انسى الارهاق "غداً يأتيك سر الحكمة " لذا فقد فوجيء و فغر فاه عندما سمع ملكه المشدوه المتوتر المطرق في التفكير يأمره بأن يدخل الفتاتين . ذهب لاحضارهما و عدت للخلف قليلاً و أنا جالس على العرش لأنني شعرت إن تلك الجلسة ستطول .
لم تمر لحظات حتى فُتح الباب . دخل منه حارس يدفع فتاة فتدفعه فتاة بدورها متمردة متذمرة ثم تنظر لي بوجه رقيق جميل مليء بالدموع و أندفعت أمامي و ركعت قرب ركبتي و وضعت رأسها في الأرض . ظللت أنظر لها مطولاً . إنها نسخة أخرى مثلها ، جميلة مثلها ، خاضعة مثلها ، حتى إن العيون و ملامح الوجه متشابهة إلى حد كبير .
-"ما اسمك ؟ "
-"عبدتك شلوميت جلالة الملك "
-"اعرضي شكواك "
رفعت وجهها الجميل و بدأت تقول :" تلك المرأة " و أشارت نحو امرأة أخرى كانت قد دخلت للتوها حاملة طفل " تقول على ذلك الطفل ابنها " و اجهشت بالبكاء و هي تستكمل :" مع إنه ابني ، إفعل شيء يا جلالة الملك " و لم تستطع أن تقول و لا كلمة أخرى و أكملت بالبكاء .
نظرت إلى واحد من الحراس :" ما أمر تلك الفتاة ؟ "
-"يا جلالة الملك ، هاتان المرأتان زانيتان تحيان مع بعضهما البعض و كان لكل واحدة كل منهما طفل و تقول المرأة إن الأخرى أماتت ابنها بأن اتكأت عليه اثناء نومها فأخذت ابنها الحي من حضنها و وضعت الميت و أدعت إن الحي هو ابنها "
-"إذاً ، فهما زانيتين .... ايتوني بالطفل "
ذهب الحارس و أخذ الطفل من يد الأخرى و أتاني به . حملته منه بكل رقة و أخذت أنظر له بحنو . كان الطفل جميلاً . طفل ليس له ذنب بأن يلقبه الناس بابن الزانية لخطأ امرأة . ليس الأمر هكذا فحسب . أنا أعلم إنني محظوظ و إن الله يحبني فقد أمات ابن الزنى بعد أن أنجبيته والدتي و لم يجعلني أنا هذا الطفل و لكن ما الذي يضمن لنا (أنا و الطفل) ألا يكون هو ابن زنى حقيقي ؟ ابن خطيئة و مجيئه كان عن طريق الخطأ ؟ للحظة رأيت نفسي في ذلك الطفل و أحببت أن أنقذه من المصير الذي لحق بي ، مصير ابن الزانية . نعم سوف أنقذ ذلك الطفل .
-"أيتوني بسيف " و وضعت الطفل على منضدة و شلوميت على يميني و الأخرى على يساري . أتى لي الحارس بسيف و أعطاني أياه . بدأت الدموع كلها بالقيام بثورة خلف حدقة عيني و أنا أقول بارتعاش نابع عن غضب و بابتسامة تجمع بين الحزن العظيم و رعب الجنون :" تريدون الطفل ؟ حسناً سأشطره و فلتنعم كل واحدة فيكم بنصف لباقي حياتها "
سمعت من يساري :" فليكن ، فكان لابد للشعب أن يضحي بشمشون حتى يخلص و يحيا "
و هنا انفجرت الدموع و الغضب و أنا أرفع يدي بالسيف لأشطر الطفل :" إذاً فلتمت نفس البريء مع عداءاتكم يا زانيات " و كانت الصرخة . فجأة برزت شلوميت من اليمين وأمسكت بيدي الممسكة بالسيف و صارت حائلة بيني و بين الطفل :" لا يا جلالة الملك ، لا تفعل هذا بنفسك ، فلتأخذ الطفل و لكن لا تفعل هذا بنفسك و تميته "
ظللت هي ممسكة يدي مانعة أياها من أن تكمل دورة السيف . في تلك الفترة ، رأيت في وجهها مرآة . كان وجهها هي الأخرى مليئأً بالدموع . أسقطت السيف . نظرت في وجهها ملياً مشدوهاً :" أمي " ثم تركت نفسي أركع على الأرض و أنا أنظر إلى ناحية أخرى محاولاً أن أخفي دموعي و ضعفي :" أنت بالحقيقة أمه ، خذي الطفل و اطردوا الأخرى خارجاً " و قمت و نظرت نحو العرش تاركاً خلفي كل الأحداث من بكاء ، صراخ ، قسوة و... و .. إلى آخره . خفتت الأصوات تدريجياً حتى عم الصمت .
ظللت أنظر إلى العرش لفترة . أستطيع أن أشعر بها هناك.لم أطيل الصمت فبدأت:
-"أترضعي الطفل الآن ؟ "
-" لا أتحمل أن أسمع بكاءه"
-"شلوميت ، هل لي أن أعرف ماذا فعلتي حتى تجعلي حكمة ملك مثلي تنصف زانية مجرمة مثلك ؟ "
-" لم أفعل شيئاً ، فقط دافعت عن حبي "
-"و هل لزانية أن تعرف معنى الحب ؟ و هل لابن زنى أن ينال حباً ؟ "
استطيع أن أشعر بها و هي تبتسم :" نعم ، إن لم تكن هي زانية و إن لم يكن هو ابن زنى "
-" ابن من فيهم هذا يا شلوميت ؟ "
-"ابنه ،ابن حبيبي هذا الذي أنا له ،ابن الراعي الأمين على خرافه ، ابن الانسان ، الذي لابن الآلهة ليس شبيه بل هو هو ، ليس ابن الزانية و لكنه ابن الملك "
-" و إذا كان ابنك ؟ لماذا تركتيه لها ؟ "
-" لست أنانية ، أنا أحبه و لن أرغمه أن يكون لي
و أنا ذكية ، انتظره فأنا أعرف إنه يوماً ما سيعود فلن يجد لمثل حبي مذاق مماثل "
-"شلوميت ... هل تكونين لي ؟ " ثم أستكمل و أنا ألتفت :" هل تقبلين الزواج بي ؟" فما وجدت شلوميت و لا أحتجت أن أجد طفلاً و ابتسمت بامتنان فقد أتت الحكمة و عاد الطفل ... ابن الملك .