Monday, May 31, 2010

كليب ((حبيبي)) لجوليا بطرس

مقدمة : لطالما كانت واحدة من أمنياتي هي أن أعمل على إخراج كليب لأغاني أحبها على طريقتي الخاصة و ما أنتم على وشك قراءته الآن هي واحدة من تلك المحاولات لشطحات التخيل تلك الخاصة بي
ملحوظة : إذا أردت أن تشعر بذلك الكليب المكتوب و أن تنجح في تخيله ، استرخي و ضع السماعات على أذنيك و إبدأ في سماع الأغنية و ... و إغمض عينيك
تبدأ تلك الموسيقى الهادئة على العديد من مظاهر الفرحة في مكان واسع مفتوح كجنينة نرى بها العديد من الناس يتضاحكون معاً و أطفال يجرون هنا و هناك و العديد من البلالين تطير .
مع بدايتها للأغنية ، يظهر في الكادر شفتيها في مواجهة مع ميكروفون و هي تبدأ :" يمكن ماقلتلك إنك أنت حبيبي " ثم يبعد الكادر لتظهر هي بفستان جميل جداً أمام المايك مستكملة :" لكن قدمتلك حياتي يا حبيبي "
يتحرك الكادر فيجلبها من ظهرها حتى نرى ما هي في مواجهته لنكتشف ما هي في مواجهته من كوشة يعلوها عروسين يعلوهما فرحة غامرة و هي مكررة للمرة الثانية :يمكن ما قلتلك إنك أنت حبيبي
ثم يعود الكادر على وجهها و يتحرك مع تحركه معبراً عن هروب النظرات " لكن قدمتلك حياتي يا حبيبي " و مع نهاية الكلمة يكون قد ظهر مشهد لوح لها العريس من بعيد فتلتفت له و هي تستكمل مبتسمة تلك الابتسامة الحزينة :" يا أحلى عمري اللي جاي ، بدي أحكيلك حكاية " ثم مع تكرار الجملة للمرة الثانية ، تظهر مشاهد متكررة لهم في فترة صباهم لا نفهم منها شيء لها مثلاً و هي بضفيرتين جالية بجانبة في مكان يبدو ككلية و تعطي له ابتسامة ساحرة و في يوم آخر يكونان وسط مجموعة في مطعم فتضربه على يده عندما يحاول أن يأخذ منها الساندوتش ثم مع " قللك فيها" مشهد لها وحدها و هي لازالت بالضفيرتين حاضنة صورة "إنك أنت حبي و نصيبي " و تبعد الصورة فإذ بالصورة له هو و فجأة تظلم الشاشة و تعود فجأة على الفرح و يكون الكادر كعين طائر يتحرك من فوق و هي تراها و تصرخ :"حبيبي يا حبيبي " مع كادرات لها من عدة زوايا مع تكرارها و مع آخر مرة تقول فيها الكلمة تضع رأسها في الأرض بلمحة حزن .
"راح ضحي بأيامي تا أرضي عينيك " مشهد له بجانبها يتحدث بحزن ناظراً إلى الفتاة بعيداً و هي تشرد ثم تعود للتركيز معه عندما ينظر لها
"راح جمع أحلامي رش ورود حواليك " مشهد لها هي شخصياً و هي تتحدث مع الفتاة ثم مشاهد لثلاثتهم في أكثر من مكان في لمحة خاطفة و "مع رش ورود حواليك"الثانية نعود للحاضر مرة أخرى و هي بالفعل ترش ورد خلف موكب العروسة . ثم
"لإلك فرحي و بسماتي " كادر لها و هي في الجامعة تضحك له تلك الضحكة الحمقاء الطفولية معبرة به عن مدى روعة و جمال نقاء قلبها
"لإلك ليلي و دمعاتي " كادر لها و هي تبكي بحرقة ليلاً ممسكة بشدة في الوسادة ناظرة إلى صورته القدية من خلف دموعها
"لإلك فرحي بسماتي" في الحاضر وهي تبارك لهم أمام الكوشة و تأخذ صورة معهما مبتسمة و تلتقط الكاميرا ابتسامتها مع ناظرة خاطفة لها مع استكمال :"قدري كله يا حياتي مرسوم بعينيك "
"لإلك فرحي و بسماتي " كادر لها و هي تعدل له الكرافت قبل الفرح و تنظر لابتسامته و رضاه باسمة
"لإلك ليلي و دمعاتي " صورة لها في حمام أوتيل الفرح ترى نفسها و هي بالفستان و تشرب من زجاجة غامضة ثم تبتسم
الكاميرا تدور حولها في الفرح و هي أمام المايك مكملة
"قدري كله يا حبيبي مرسوم بعينيك "
و كأنه لأول مرة يأخذ باله فترتسم الدهشة على نظرته بعد الضحك المستمر و يركز معها و يبعد الكادر و يجليهما من اليمين متباعدين متواجهين هو جالس في الكوشة و هي : حبيبي
عليها : حبيبي
عليه : حبيبي
ثم بكادر الطائر تصرخ بحبيبي الأخيرة و تسقط على الأرض مع تكرار مشهد السقطة و دمجة مع الصورة التي لها في الحمام و هي تشرب ما شربته
يهرول نحوها كل من العروسين يؤزارانها و هما يبكيان و أما هي فتنظر له بتهالك و تزيح بيدها خصلة من شعره ساقطة على جبهته و تمرر يدها على وجهه : حبيبي يا حبيبي ثم تنظر لها :حبيبي يا حبيبي و تأخذ يداهما و تربطهما و يركز الكادر على أيادي ثلاثتهم و مع آخر حبيبي تقولها تريح رأسها و تغمض عينيها و يظهر من المشهد صراخ من جميعهم لكنه غير مسموع
يصعد الكاست بجانب مشهد للزوجين يقفان أمام قبرها مع دوي جزء "راح ضحي بأيامي " : و ينحنيان ثم يمضيان و نقترب على حافة حجر قبرها فإذا بنا نجد دبلتين تحتها صورة ثلاثتهم في الفرح و هي ناظرة له
فركش :D :D

Thursday, April 1, 2010

أطواق نجاة

إنني خائف جداً ، مرتعباً . من الغريب بالطبع أن أبدأ بكتابة مدونة مثل تلك بمثل تلك الكلمات بدلاً من أن أبدأ بمثيلاتها من الكلمات المشجعة التي تساهم ببناء مقدمة طبيعية استطيع خلالها أن أنفد إليكم بموضوعي الذي أود التحدث فيه . كلمات غريبة أعلم و لكن من قال إن الظروف التي أمر بها لظروف طبيعية . لأا أعلم إن كانت ستواتيكم الفرصة يوماً حتى ترون تلك المدونة كما اكتبها الآن ، لا أعلم إن كانت ستواتيكم الفرصة لتروا الورق المتألف من أوراق الشجر و الحبر من الدماء . ما الذي وصل بي إلى مثل تلك الحالة ؟ اتصدقونني إن أخبرتكم لإنني بدوري لست أعلم ؟ لقد مرت الأحداث بسرعة البرق . لقد كان الإيمان به قوياً . كيف تم الأمر ؟ كيف حدث ؟ و ترى ما الذي يحدث الآن ؟ بدا الأمر عندما وجدت رسولين مبعوثين من قبل السيد يطلبان للسيد و حاشيته يسألانني بيتي المتواضع الحقير الذي يدعوه السيد عليته أن يكون متكأ لهم . لم تكن تلك المرة بالأولى ، لقد تشرفت المدعوة عليتي بالسيد في العديد من المرات و كانت منارة في حال مجيئه و كخيال مآتة تبدو عنذ ذهابه لذا فما ترددت لحظةً عندما طلبها . اعطيتهما المفاتيح . المدعوة عليتي احبها أن تكون منارة ، أعشق أن يرقب المارون النور الخارج من خلف نوافذها لأنهم متأكدون من وجود السيد هناك ، ذلك السيد الذي تعلق به آمالهم كمخلص و ينتظرونه منذ السقوط و أنا أولهم . كان من المفترض إن السيد يحب أن يجتمع بخواصه و لا يحب أن يعكر أحد عليه صفو تلك الجلسة فقطعك أياها لأن تفتح باب السماء بتبجح داخلاً بغير ثياب العرس لتقطع طعام ابن الانسان الذي له طعام مختلف عن طعام بني البشر ، وقد كان الأمر يثير حنقي و غيظي في البداية إلا إن غيرتي تلك خُتمت بابتسامة منه معلناً لي إن أتذكر إن الأمر برمته يتم ، في البداية و في النهاية ، في تلك المدعوة عليته و إنني سأعود لنجلس سوياً يوماً حين يحين الوقت المناسب . لذا تركتهما يذهبا و لم أصحبهما و أكملت محاولاً أن أملأ ما كنت أفعله من ملء أجراء الماء لأن بيتنا يحتاج إلى الماء . لي ستة أيام أحاول أن أغسل قدمي بمياة إلا إن الأمر لا يجدي و قدماي فقط لا تنظفان بل و تتأكلان و اكتشفت السبب ، المياة الذي يجلبها عبيدي ، المياة التي لم تنجح في غسل أرجلي ، المياة التي ساهمت في تآكل قدمي كانت كلها مياة مالحة قادمة من ذلك البحر . اغتممت يومها و لكني اسرعت ابحث عن الحل و اسأل الجمع فدلوني بركة لها سلوام كاسم و اخبروني إن لها قوة معجزية مع اختفاء القمر من كل شهر و لكن في غير ذلك فإن المياة نفسها طاهرة و لها فوائد صحية و ها أنا أملأ الأجران و لا انجح ، اضع الجرن في العمق و اخرج به فإذ به فارغاً . ضجري و حنقي جعلانني اتذكر السيد و شعرت شعوراً غامضاً محتواه إن اليوم ليس كأي اليوم . نعم ، ها أنا سأقوم و أعود إلى هناك ، أصل كل الأشياء . اسرعت و صعدت لتلك التي يدعوها عليته . اختبأت خلف الستائر ، مشهد مألوف اثنا عشر فرد يتوسطهم الثالث العشر ، الأصل ، المخلص ، السيد . اللعنة ، لماذا جلسوا من تلك الناحية ؟ لماذا لم تكن ستائر المدعوة عليته من الناحية الأخرى حتى اتمكن من قراءة شفاههم ، رؤية نور وجهه و انطباعات وجوه الباقي . لم تعد عيناي بالمفيدة ، أشكر الله إنه لم يكتف بها كحاسة يخلقها في فقد اعطاني من الوزنات العديد . نعم ، ساستمع إلى حواراتهم . من الخلف استطعت أن أرى حركات أيديهم فقط إلا إن ما سمعته وقتها لم يكن يتوافق . سمعت السيد يسأل : بكم أحد سيسلمني فسمعت كلٍ منهم : العلى أنا يا سيد ؟ و دار السؤال على السنتهم حتى توقف عند من كان على يساره و حينها سمعت السيد :"أنت قلت" ثم "أرجوك إذاً أن تتعقل و تتوقف عن فعل ما تنتوي فعله " و عند نهاية الجملة دار الوجة المقدس لمواجهة التلميذ الذي كان عن يساره و الحدث الذي فجر بداخلي أول ينابيع الخوف إلا إن فمه الذي استطعت أن المح حافته لم يتحرك و لكن الصوت دوى في أذني و من الواضح إنني لم أكن بالوحيد الذي سمع الجملة الأخيرة فقد ارتسم قلق سريع على وجة التلميذ و دار بوجهه يجول في المكان ثم عاد ساكناً كأن شيئاً لم يكن . استطعت رؤية تلميذ يدفع التلميذ الذي عن يمينه فسمعت من كان على اليمين و في الحضن يسأل : اخبرنا من فسمعته يقول : من اغمس و اعطيه هو الذي يسلمني" من كان على اليسار ومن توتره امسك بكسرة في الخبز محاولاً التظاهر بانشغاله عن الكلام و مد يده و ... اللعنة ، ماذا فعل وقتها ؟ كيف فعل ذلك ؟ أمن أجل أن يتظاهر بعدم السمع يتجاهل أعراف الفصح و يتجاهل الصوت الجهوري الذي دوى "أرجوك ، لا تغمس معي " و يغمس مع السيد في الصفحة ذاتها ؟ ماذا يظن نفسه ؟ إلا إن السيد لم يفعل شيئاً له و كأنما لم يرتكب شيئاً بل أعطى له كسرة في الخبز . استطعت أن أرى طرف وجهه وقتها من عين دامعة و فم عليه تلك الابتسامة الحزينة المعهودة و الصوت يدوي و كأنما تنهمر الدموع من الصوت نفسه بفم صامت صارخاً فيه :" أرجوك ، لا تأخذ تلك الكسرة ، إفزع ، إصرخ في وجهي ، إبكي ، إنكر ، إعترف بخطيتك و لكن لا تأخذها مني ، إلا إن يكون أنت يا يهوذا ، أقبل أن يرفضني العالم كله و يسلمني و لكن ... إلا أن يكون أنت ، أرجوك ، لا تأخذها ، أرجوك ، أرجوك " كان من الواضح إنني لست بالفعل من يسمع الصوت الجهوري و إن ذلك اليهوذا يسمعه أيضاً . خاف هو بدوره ثم تشجع و كأنما فارس يغالب مخلص لملك أسود أخذ الخبزة ببساطة و بعينين متحديتين ساخرتين . عم الصمت فجاة و بعدها دوى تحرك فم السيد :" ما أنت مزمع أن تفعله فافعله سريعاً" احنى يهوذا رأسه للسيد في طاعة مثل المقاتل الذي يحني رأسه تحية لعدو له قبل القتال . وقتها ، قام ، التفت نحوي معطيأ أياهم أجمعين ظهره و تحرك نحوي و اقترب مني و تجاوزني و كأنما عمي عمن كل من كان حوله غير شاخصاً إلا لهدف واحد . تبعته و لما خرجنا ، امسكته محاولاً أن أعيد اياه إلى الوراء ، صرخت و أنا منهمر في بكاء هيستيري :" لقد توسل إليك السيد ، لقد ترجاك ، أنت سمعته ، أرجوك ، أرجوووك" و اكتشفت إن النظر لم تكن بالحاسة الوحيدة التي ماتت فيه ، لقد ماتت داخله حواس أخرى . لم يسمعني ، لم يجبني ، دفعني ، أسقطني و مضى . ظللت هناك خارجاً ساقطاً باكياً . بكيت لمدة ليست بقليلة حتى رأيتهم . خرجوا بهيئة مختلفة ، وجوه مضيئة تبعث على البهجة و البسمة و ... و الأقدام لم تكن فقط نظيفة مضيئة إلا إنها كانت صحيحة لا توسخها التراب أو تجرحها الحصى . مشدوهاً ، تبعتهم من بعيد . ظل السيد يتحدث معهم كثيراً حتى وضلنا لبستان مدعى جسثيماني . طلب أن يختلي بثلاثة من تلاميذه و تلك المرة ، احترمت رغبته و جلست في مكاني أراقب التلاميذ اللذين لم يتمكنوا من مقاومة النوم . كنت أنا لأنام مثلهم إلا إنني شعرت بلسعة برد فطوقت كتفي فنظرت إلى الجهة التي منها النسيم البارد فإذ بي أراه . ذلك اليهوذا آت و معه العديد من رؤساء الكهنة بالجنود الرومان مصحوبين . كيف استطاع ؟ كيف استطاع هذا اللعين ؟ كيف أن استطاع أن يجمع الجبهتين المتعاديتين ؟ هممت بالاندفاع لأحذر التلاميذ أن يخفوا السيد إلا إن السيف سبق العذل و ظهر السيد متبوعاً بالثلاثة . توقف المشهد و عاد السيد يقطع الصمت :" يا صاحب ، لماذا جئت ؟" ثم "أتعلم يا يهوذا ؟ أتعلم ؟ حتى الآن ، توجد لك فرصة ، مازلت أحبك و مازالت الفرصة قائمة أمامك " ثم ابتسم مكملاً بالصوت الخفي الجهوري " و أنا أرجوك تلك المرة أن تأخذها ، خذها يا حبيبي ، خذها ... يا صاحب " قد يكون ذلك اليهوذا على دراية باحترام العدو قبل المقاتلة إلا إنه لم يستطع أن يتحمل مفهوم المحبة المطلقة الكاملة الأعداء . الأمر الذي جعله يعود إلى الخلف و يطلق لقدميه العنان . فجأة ، انقلب الموقف . حاولوا أن يمسكوا السيد فحاول اتباعه حمايته إلا إنه لم يلبثوا أن خافوا و بدأوا يهربون الواحد تلو الآخر . ظللت واقفاً أرقبهم واحداً واحداً إلى أن وجدت يد قاسية تمتد من عدم لتمسك بالإزار الذي ارتديه . تريد الإزار ؟ خذه . و خرجت منه عرياناً مقلداً بهذا أبانا يوسف لما هرب من ثوبه هو الآخر إلا إن الفرق كان واضحاً تلك المرة . هرب هو من خطية أما أنا فهربت من مجد . ظللت أجري و أجري بين الأغصان ناسياً البرد ناسياً التعب ناسياً حتى ما كنت أهرب منه حتى عاد الصوت الجهوري يدوي و يذكرني : "أين أنت ؟ " فتوقفت و سقطت على ركبتي :"سمعت صوتك فهربت لأنني عريان " فأجاب الصوت تاركاً صدى :" و ما أدراك إنك عريان ؟ "حاولت أن أجد الاجابة إلا إنني فشلت . ظننت البرد السبب فوجدت شجرة فروعها فارغة ساقطة كافة أوراقها بجانبها . حاولت أن أغطي نفسي بالأوراق حتى اكتشفت الفاجعة . الأوراق كانت لشجرة تين ، تلك التي لعنها السيد منذ ثلاثة أيام . بكيت و جلست سانداً ظهري على الشجرة . أخذت ورقة من الورق ، جرحت نفسي و ها أنا أكتب إليكم ما حدث . إنني خائف جداً ، مرتعباً . كلمات ستنمحي إذا أجبت على تلك الأسئلة لي
ما أدراك إنك عريان ؟
ما الذي يحدث الآن ؟
هل سيعود السيد إلى حيث يدعوه عليته يوماً ؟

Thursday, January 21, 2010

ذات يوماً صحواً مشرقاً

كان اليوم يبدو صحواً مشرقاً و كانت المجموعة ذاتها هناك في ذلك المكان المعهود لهم في احدى جنبات جنينة الكلية . كانت هناك الهمسات نفسها ، الضحكات ذاتها ، الكلمات بعينها ، حتى هلت . كانت هي الشمس المشرقة ذات النور السهاري الذي يرشد في ظلمات ليل شعرها المنساب . أتت كالعادة بروح الأطفال التي تستحوذ عليها و تجعلها تتفوق على جمالها بجمال آخر ذي طابع خاص . كان البدر أكثر اشراقاً اليوم في ضحكته أكثر من أي يوم ذي قبل و هذا طبيعي فقد كان اليوم صحواً مشرقاً . أتت و سلمت على المجموعة برقتها المعهودة بتلك اليد التي تخشى التهشم من أي يد غاشمة فتكتفي أن تترك نفحة من بركتها على أيدي أعضاء المجموعة . بعد السلامات و التحية ، فوجئوا بسانتا الجميل الصغير يخرج من حقيبته مجموعة من الكروت و حينها دق ناقوس الخطر . "و دي تبقى أيه الحاجات الحلوة دي ؟ " هكذا قال ذو العوينات
نظرت له و هي تستكمل إخراج ال... " لأ دي تبقى دعاوي"
" عيد ميلاد بقى و الدلع الأزلي ده ؟ مش كبرنا بقى على الحاجات دي ؟"
هكذا قال الطويل مما جعلها تنظر له نظرة العتاب القاتلة
" لأ ، وعشان تتأكد إن الموضوع مش لعب عيال ، دي تبقى دعاوي ... خطوبتي "
و كان ذلك هو الوقت الذي نظروا فيه إلى الصامت على الرغم من إنه لم يقم بتغيير حالته
لم تحزن هي من عدم استحوازها على اهتمامهم فقد شاركتهم النظرة و رأت وجه جميل المحيا مبتسماً ، فقد كان اليوم صحواً مشرقاً ، يقول لها بفم لا يتحرك إلا نادراً :" مبروك "
لم يستغرق كل هذا بما تتبعه من أحضان الفتيات لها و سلامات الفتيان المملوءة رجولة أكثر من دقيقة ، أما الدقيقة التالية فقد مضت في اختراع أذون كفيلة بأن تبعدهم عن الساحة لكي يمضوا و لا يتبقى إلاهما - الصامت و البدر .
ظلت ناظرة إلى نقطة ما بعيدة ، حاولت أن تهرب بالتأمل في الشمس التي كانت جميلة في ذاك اليوم
فقد كان اليوم صحواً مشرقاً
إلا إنها سمعت صوته يأتي قوياً من الأرض ليقطع حبل أفكار البدر :" بتحبيه؟"
نظرت له و قالت له بتحدي كان لها قبل أن يكون له :"أيوة "ثم لم تلبث أن أنهارت عندما رأت العينين القوية و الابتسامة الحزينة فعادت تنظر بعيداً مخفية لمعان الدموع الذي يبدأ يظهر في العينين.
-"أنا آسفة بس أنا مضطرة أمشي" و مضت دون أن تنتظر منه إذن
ابتعدت لمترين و كانت تلك هي اللحظة التي شعرت بالكيان يقف من وراءها بعد أن كان جالساً . فجأة ، عادت مندفعة و ألقت بنفسها بين ذراعيه باكية :" أنا آسفة "و سقطت من اليدين التي تحيطان بكتفيه دعوة على الأرض إلا إنها تركته بالسرعة التي عادت بها له سواء في سرعة الوقت أو في سرعة اندفاعها.
ظل واقفاً يرقبها في تأمل . كانت صورتها تلعب في عينيه نظراً لغيمة سحابة أمطار الدموع التي بدأت تهطل على انعكاسها في نظره .لم يعد نور اليوم الصحو المشرق يساعد عينيه على الرؤية بل ساعد الأمطار على حجب الرؤية تماماً . سرعان ما عادوا الرجال و احاطوه معضدين أياه أما هو فبكل بثبات انحنى ليلتقط الدعوة الساقطة تحت قدميه و ابتسم لأصدقائه و قال "عقبالنا يا شباب" و احتضنهم بقوة بعد أن ألقى بالدعوة لأعلى لكي تلاعب نور الشمس معلنين سوياً إن اليوم مازال صحواً مشرقاً .

Tuesday, October 20, 2009

سليمان و شلوميت

ملحوظة : أحداث تلك القصة ليست فقط من محض الخيال و لكنها لا تمت للواقع بأي صلة بتاتاً ، فقط واحدة من لاذعاتي التي عهدتونهم فيا .
ما هذا ؟ أين أنا ؟ حالة غريبة من الوعي و موقف يجمع ملكين احدهما عبداً للآخر. عجزت لحظة عن التفكير إلا إنني تداركت ثباتي و رفعت عيني نحوه بابتسامة امتنان قائلاً :" اعط عبدك قلباٌ فهيماً "
دعونا نعود قبلها بفترة زمنية كافية ، أنا الولد الذي يشير نحوه الجميع قائلين بكل حرفية عندما يهل :" أوصنا الآتي ابن داود "
نعم ، أنا ابن داود ، الملك العظيم ، ابنه من واحدة من سراريه تدعى بتشبع . تناثرت الأقوال و قيل إن أمي في نظر المجتمع امرأة زانية فقد تزوجها الملك بعد أن أغراها شكله و هي تستحم ، بعد أن زنى معها ، بعد أن قتل زوجها . لم يكن جميع من كانوا في القصر يحتاجون لأن يعبروا عن وجهة نظراتهم فيا ، كنت أقرأها في عيونهم دون أن يقولونها " ابن الزانية "
في البداية ، لم أكن أصدق هذا ؟ كيف أصدق هذا عندما أراقب أبي و هو يعزف أمامي على القيثارة محاولاً تعليمي عزفها ؟ كيف أصدق هذا و أنا أصغي إلى أبي عندما يتحدث عن الرب و أجده يقول في سعادة الأطفال مع كل حكاية يتلوها إن الله ذات يوم قال على قلبيهما إنهما متشابهين ؟ كيف أصدق هذا على تلك الأم الصالحة التي لم أر يوماً أطهر أو أحن منها ؟
لم تستمر تلك النظرة كثيراً . تساؤلات "كيف أصدق؟ " لم تعد تتردد عليا مرة أخرى منذ أتت مرة و لم تجد ذلك الطفل الذي كان دوماً يقتنع و لا يصدق بل وجدت مراهقاً كبير يعاني و هو ينظر لها قائلاً لها :" يا أيتها التساؤلات ، اعطيني تبريراً واحداً يجعل الملك يعد بأن أكون أنا ولي العهد على الرغم من تعدد البنين و الأخوة " صمتت التساؤلات و ترقرقت على عينيها دمعة و مضت دون رجعة تاركة خلفها مراهق تأكد إنه ابن زانية لا يتحمل أن يكون موجوداً في تلك الحياة .
مرت سنين و الحقيقة تتوارى بالتراب و يصير ابن الزانية ملكاً إلا إن ابن الزانية لا ينسى .
كل ذلك تذكرته و أنا شاخص لشبية ابن الآلهة الذي تجلى لي في حالة وعي غريبة قريبة للحلم أو الدهش . طلب مني أن أطلب طلب فمرت كل تلك الذكريات و وجدت نفسي –و لدهشتي- أنظر له بابتسامة امتنان :"اعط عبدك قلباً فهيماً"
وضع يده على فمه مطرقاً مفكراً و هو يقترب مني ثم وضع يديه على كتفي :" قرار حكيم يا سليمان ، تريد قلباً فهيماً ، القلب لكي تعتمد على المشاعر و الفهم لتجد تفسيراً منطقياً تستطيع أن تجد به حلول جذرية للصراعات الداخلية القائمة داخلك بين ابن الزانية و ابن الملك . تريد ارشاد ؟ تريد أن يتسلط الرب على قلبك فيصير بهذا قلبك مسكناً لملكوت السموات و بره ؟ حسناً قلت فأنا أمنحك هذا و الباقي كله يزاد لك من ثروة و سلطة و سراري . غداً يا سليمان ، سوف يأتيك سر الحكمة "
و أستيقظت . أهكذا كان الأمر ؟ أهو بتلك البساطة ؟ هل أصبحت الآن....حكيماً ؟ و إذا كان فلماذا لا أشعر بأي راحة داخلية أو أي حلول للحروب النفسية ؟
عللت الأمر بأنه حلم ليلة صيف و بدأت بمباشرة أعمالي و ظللت اليوم بطوله منهمكاً للدرجة التي معها نسيت أمر ذلك الحلم .
انتهى اليوم ، كنت مجهدأ و لم يعد في مقدوري القيام بأي أمور أخرى . هممت بالعودة إلى حجرتي حتى أنال بعض الراحة حتى سمعت تلك الجلبة في الخارج .
-"ما الأمر ؟ "
-"لا تزعج بالك يا جلالة الملك "
أمرته بحزم فطفق يحكي إن تلك الجلبة سببها زانيتين تقفان على الباب تتنازعان على طفل تصممان أن تدخلا للملك حتى يعدل بينهما و يقرر من فيهما الأحق بالطفل . كان يكتم ابتسامة استخفاف و هو يحكي "غداً يا سليمان... " كان يبتسم تلك الابتسامة لأنه كان متأكداً إن الأمر مجرد صفر على الشمال بالنسبة لي و كان ليكاد يجزم إنني سأضحك بعد أن يتلوها إن لم يكن يتلوها لتسليتي و حتى يجعلني انسى الارهاق "غداً يأتيك سر الحكمة " لذا فقد فوجيء و فغر فاه عندما سمع ملكه المشدوه المتوتر المطرق في التفكير يأمره بأن يدخل الفتاتين . ذهب لاحضارهما و عدت للخلف قليلاً و أنا جالس على العرش لأنني شعرت إن تلك الجلسة ستطول .
لم تمر لحظات حتى فُتح الباب . دخل منه حارس يدفع فتاة فتدفعه فتاة بدورها متمردة متذمرة ثم تنظر لي بوجه رقيق جميل مليء بالدموع و أندفعت أمامي و ركعت قرب ركبتي و وضعت رأسها في الأرض . ظللت أنظر لها مطولاً . إنها نسخة أخرى مثلها ، جميلة مثلها ، خاضعة مثلها ، حتى إن العيون و ملامح الوجه متشابهة إلى حد كبير .
-"ما اسمك ؟ "
-"عبدتك شلوميت جلالة الملك "
-"اعرضي شكواك "
رفعت وجهها الجميل و بدأت تقول :" تلك المرأة " و أشارت نحو امرأة أخرى كانت قد دخلت للتوها حاملة طفل " تقول على ذلك الطفل ابنها " و اجهشت بالبكاء و هي تستكمل :" مع إنه ابني ، إفعل شيء يا جلالة الملك " و لم تستطع أن تقول و لا كلمة أخرى و أكملت بالبكاء .
نظرت إلى واحد من الحراس :" ما أمر تلك الفتاة ؟ "
-"يا جلالة الملك ، هاتان المرأتان زانيتان تحيان مع بعضهما البعض و كان لكل واحدة كل منهما طفل و تقول المرأة إن الأخرى أماتت ابنها بأن اتكأت عليه اثناء نومها فأخذت ابنها الحي من حضنها و وضعت الميت و أدعت إن الحي هو ابنها "
-"إذاً ، فهما زانيتين .... ايتوني بالطفل "
ذهب الحارس و أخذ الطفل من يد الأخرى و أتاني به . حملته منه بكل رقة و أخذت أنظر له بحنو . كان الطفل جميلاً . طفل ليس له ذنب بأن يلقبه الناس بابن الزانية لخطأ امرأة . ليس الأمر هكذا فحسب . أنا أعلم إنني محظوظ و إن الله يحبني فقد أمات ابن الزنى بعد أن أنجبيته والدتي و لم يجعلني أنا هذا الطفل و لكن ما الذي يضمن لنا (أنا و الطفل) ألا يكون هو ابن زنى حقيقي ؟ ابن خطيئة و مجيئه كان عن طريق الخطأ ؟ للحظة رأيت نفسي في ذلك الطفل و أحببت أن أنقذه من المصير الذي لحق بي ، مصير ابن الزانية . نعم سوف أنقذ ذلك الطفل .
-"أيتوني بسيف " و وضعت الطفل على منضدة و شلوميت على يميني و الأخرى على يساري . أتى لي الحارس بسيف و أعطاني أياه . بدأت الدموع كلها بالقيام بثورة خلف حدقة عيني و أنا أقول بارتعاش نابع عن غضب و بابتسامة تجمع بين الحزن العظيم و رعب الجنون :" تريدون الطفل ؟ حسناً سأشطره و فلتنعم كل واحدة فيكم بنصف لباقي حياتها "
سمعت من يساري :" فليكن ، فكان لابد للشعب أن يضحي بشمشون حتى يخلص و يحيا "
و هنا انفجرت الدموع و الغضب و أنا أرفع يدي بالسيف لأشطر الطفل :" إذاً فلتمت نفس البريء مع عداءاتكم يا زانيات " و كانت الصرخة . فجأة برزت شلوميت من اليمين وأمسكت بيدي الممسكة بالسيف و صارت حائلة بيني و بين الطفل :" لا يا جلالة الملك ، لا تفعل هذا بنفسك ، فلتأخذ الطفل و لكن لا تفعل هذا بنفسك و تميته "
ظللت هي ممسكة يدي مانعة أياها من أن تكمل دورة السيف . في تلك الفترة ، رأيت في وجهها مرآة . كان وجهها هي الأخرى مليئأً بالدموع . أسقطت السيف . نظرت في وجهها ملياً مشدوهاً :" أمي " ثم تركت نفسي أركع على الأرض و أنا أنظر إلى ناحية أخرى محاولاً أن أخفي دموعي و ضعفي :" أنت بالحقيقة أمه ، خذي الطفل و اطردوا الأخرى خارجاً " و قمت و نظرت نحو العرش تاركاً خلفي كل الأحداث من بكاء ، صراخ ، قسوة و... و .. إلى آخره . خفتت الأصوات تدريجياً حتى عم الصمت .
ظللت أنظر إلى العرش لفترة . أستطيع أن أشعر بها هناك.لم أطيل الصمت فبدأت:
-"أترضعي الطفل الآن ؟ "
-" لا أتحمل أن أسمع بكاءه"
-"شلوميت ، هل لي أن أعرف ماذا فعلتي حتى تجعلي حكمة ملك مثلي تنصف زانية مجرمة مثلك ؟ "
-" لم أفعل شيئاً ، فقط دافعت عن حبي "
-"و هل لزانية أن تعرف معنى الحب ؟ و هل لابن زنى أن ينال حباً ؟ "
استطيع أن أشعر بها و هي تبتسم :" نعم ، إن لم تكن هي زانية و إن لم يكن هو ابن زنى "
-" ابن من فيهم هذا يا شلوميت ؟ "
-"ابنه ،ابن حبيبي هذا الذي أنا له ،ابن الراعي الأمين على خرافه ، ابن الانسان ، الذي لابن الآلهة ليس شبيه بل هو هو ، ليس ابن الزانية و لكنه ابن الملك "
-" و إذا كان ابنك ؟ لماذا تركتيه لها ؟ "
-" لست أنانية ، أنا أحبه و لن أرغمه أن يكون لي
و أنا ذكية ، انتظره فأنا أعرف إنه يوماً ما سيعود فلن يجد لمثل حبي مذاق مماثل "
-"شلوميت ... هل تكونين لي ؟ " ثم أستكمل و أنا ألتفت :" هل تقبلين الزواج بي ؟" فما وجدت شلوميت و لا أحتجت أن أجد طفلاً و ابتسمت بامتنان فقد أتت الحكمة و عاد الطفل ... ابن الملك .

Sunday, September 13, 2009

لمحة غضب


تنتظر في احدي المواقف ذلك الأوتوبيس الذي يقلك لبيتك بسلام . نعم من حقك أن تمل عندما يتأخر ذلك الأوتوبيس خاصةً عندما تكون متورطاً في حمل غرض ما كعلبة تحتوي على تورتة هشة عرضة للتدمير مع أي حركة مبالغ فيها . نعم ، يتأخر الأوتوبيس إلا إنه يأتي في النهاية و تركبه . لا ، الحبكة لم تنته بعد . لو إنك محظوظ مثلي فبالكاد ستجد مكان مثلما وجدت أنا لكن ما أطلبه منك - محظوظ كنت أو لا - بأن تلق نظرة من النافذة . انظر إلى تلك السيارات التي تحيق بك من كل جهة و تجعل الحركة بطيئة الأمر الذي يجعلك في بعض الأحيان تلجأ للتاكسي الذي يبتزك فقط توفيراً للوقت لأنك تعلم جيداً إن ذلك الأوتوبيس التي وفرته لك الحكومة يحقق الغرض الذي تريده لكن بعد فوات الأوان و قد يكون تكنيك جديد لها في تعليم شعبها القناعة . بالكاد ينفتح الشارع و يأخذ سائق الأوتوبيس نفساً و ينطلق لتجده فجأة - و يا للعجب - يقف على جانب الشارع . تدقق النظر لتجد إن هناك أحدهم بجانب نافذة السائق - خير اللهم اجعله خير - يتشح بالبياض تعلو وجهه قبعة سوداء و على كتفيه شارات يدعوه الناس أولهم السائق بسعادة الباشا ز كان سعادة الباشا ظابطاً يطلب من السائق الرخص فرفض السائق لسبب منطقي جداً إنه واثق لو إنه أعطى لسعادة الباشا الرخص فلن يراها في ذلك العام على الأقل لذا فقد وقفت مسيرتنا بعد أن كانت قد بدأت تسير . ينزل السائق و تسمع الناس بجانبك يمارسون دورهم الأزلي في استنتاج أصول المشكلة . تبدأ بحث الناس على التجمهر و القيام بفعل ما سوياً حتى تسير القافلة مجدداً كالوقوف على سبيل المثال إلى جانب السائق في محاولة لفض المشكلة فتجدهم بعد أن كانوا يلعنون السبب الحقيقي في التأخر ألا و هو سعادة الباشا الذي تلقى من سعادة باشا آخر أعلى رتبة لمجرد إن الأخير لا يستطيع أن يعود بيتهم ينام بدون أن يجد ضبطية ، اتخذوا كبش فدا آخر منهم يلعنوه أمامك ألا و هو سائق قافلتك . تنزل و تحاول أن تجد حلاً و تنظر للتورتة ثم للظابط و يبدأ الشيطان بالتدخل في المسيرة. نعم قد نكون منعنا أي ظروف تسمح بشيطان الاباحية بأن يأتي لنا إلا إننا نحن من خلق الشيطان الذي يحمل بندقية يصوبها نحو دائرة المباديء . تدفع الشيطان بعيداً و تعود لتجلس في الأوتوبيس لأنك مؤمن إنه حتى ينصلح حال كل فرد في الأوتوبيس و يتحلى بالمباديء مجدداً فلابد أن تبدأ بنفسك أولاً . و لأن الله كبير و يمهل و لا يهمل فقد تدخل سريعاً و فض المشكلة بعد أن رأى و أراك كل رد فعل كان يريد أن يراه . أخيراً ، ستعود لمنزلك و يستقبلونك بالورود و الرياحين لأنه عيد ميلادك . تبتسم في وجوههم و لكن واجه الواقع ففي النهاية ستجلس على الحاسب ليلاً تتحدث مع شاشة و قد تمتب مقالة مثل تلك في حالة ملل و تفكر في نتيجة جهنمية تجمع كل ذلك . لماذا نحن الأوتوبيس الوحيد التي تتجمع فيه كل السلبيات و تستحي سلبية على أن تلغي فاعلية أختها بل تبذل كل المجهود حتى تقويها ؟ و يبدأ السؤال بالتفرع إلى عدة أسئلة صغيرة : إذا كان الابن سيكون عاق فلماذا ينجب الناس ؟ و إذا أخطأوا و انجبوا لماذا يصلوا لتلك المرحلة التي عندما تلقي نظرة من النافذة تجد كل هذا الزحام ؟ و إذا أخطأوا و جلبوا كل ذلك الزحام الذي بالكاد تجلس معه في أوتوبيس فلماذا لا نستغل ذلك العيب في أن نتكاتف ضد كل من هو ظالم و ننقذ كبش الفداء ؟ و إذا كان كبش الفداء نفسه على استعداد أن يطير إلى تلك الدرجة التي معها أوقفه الباشا فلماذا جاءك متأخراً من البداية ؟ تبتسم في النهاية و تغمغم في داخلك في لمحة من الغضب ناظراً إلى الشاشة : يا لك من أوتوبيس يا مصر .....

Saturday, August 15, 2009

اه لو


الوقت متأخر و الجميع مضى إلى بيوتهم و مازلت أنا هنا . لابد أن أذهب أنا الآخر بدوري . لملمت أغراضي و اتخذت طريقي خارجاً من المكان . كدت ابلغ الباب حتى سمعت صوت موسيقى بالداخل . عدت أدراجي و وقفت خلف تلك النافذة التي تفصلنا عن قاعة الرقص التي نتعلم فيها . و قفت هناك أراقب ما يحدث بالداخل و أفلتت حقيبتي أثر قوة ما رأيته . كانت هناك واقفة و مازالت ترتدي ملابس الرقص كاملة و تعقد شعرها على طريقة ذيل الحصان . كانت تبدو و كأنها تراقص شخص وهمي لا وجود له على نغمات الموسيقى . ماذا تشكل بالنسبة لي ؟ أغرب علاقة في حياتي . استطيع الرقص بجدارة كذلك تستطيع هي إلا إننا ما استطعنا يوماً أن ترقص سوياً . دائماً ما تكون المشكلة في وجود آخرين أو عدم وجود مزاج لشخص مننا للرقص مع الآخر في الوقت الذي يتمنى فيه الرقص معه . ما كنا نستطيع أن نفعله - أنا و هي - الرقص مع آخرون و النظر في شماتة لبعضنا البعض إذا كان الآخر يستطيع الرقص أم لا . أستطيع الآن أن أرى في الشحص الوهمي الذي تراقصه جميع الشخصيات اللدين راقصتهم لاثارة حفيظتي و الشماتة بي . أنا لا آبه بكل هذا ، أنا أريد مراقصتها دائماً إلا إنني كنت أكابر . إنه ليس بالأمر الصعب . لا يوجد أحداً و كل ما علي فقط هو أن أسألها ذلك . كانت هناك منهمكة في مراقصة الشخص الوهمي حتى سمعت فجأة صوت خلفها :" هل تسمحي لي ؟ "
أخذت تنظر لي أثر الجملة كثيراً . كان أول تعبير ارتسم على وجهها الفزع ثم اندهشت قليل ثم ارتسم على وجهها تعبير بالرفض و ذهبت و لملمت حاجياتها و أخذت طريقها للخروج إلا إنني كنت اعترض طريقها و تجاهلت تلك النظرة الصارمة التي تطلب مني فيها أن أفسح لها الطريق و قلت لها :" جربيني فقط تلك المرة "
أخذت تنظر لي تلك النظرة التي تجمع بين المقت و الشغف ثم لم تلبث أن ألقت بحاجياتها . رفعت بيدي نحوها فامسكت بيدي و اصطحبتها لوسط قاعة الرقص و أخذنا نرقص و نرقص . لم نكن نحتاج لأن نتكلم فقد كانت أعيننا و أجسادنا تقوم بذلك الدور . فجأة وجدتها تتركني و تلملم حاجياتها و تركض خارجة . تركت نفسي أسقط على أقرب كرسي و شردت في الاسطوانة التي تعمل . موسيقى جميلة ، مهلاًً ؟؟؟
كانت تلك هي الموسيقي التي لطالما احببت أن أرقص عليها و كنت أصمم الرقص عليها و كانت هي ترفض . أخرجت اسطوانتها لأقرأ ما عليها فإذ بي أفاجأ مكتوب عليها " إلى ... " ملحوقة باسمي . يا لها من ليلة ، اه لو يبقى العمر كله تلك الليلة ..... اه لو ...

حفل راقص


اتخذ خطواتي الثابتة و أنا في حلتي الأنيقة داخلاً إلى ذلك الحفل الراقص . ليست تلك هي المرة الأولي لي في هذا الحفل فلطالما حضرته و حفظت مدعويه حتى من لا أعرفه منهم . أراقب هؤلاء اللذين يراقصون فتياتهم و ينظرون لي في ازدراء و كأنني شخص دميم . أراقب هؤلاء اللذين يجلسون في مجدهم تحيط الفتيات بهم من كل جانب و كل فتاة منهن تنافس الأخريات في الاندهاش على ما يرويه حتى تحظى باعجابه . أراقب من فشل في أن يكون أياً من النوعين فاتخذ مكانه خلف المايك أمام فرقة العزف و طفق يغني على ليلاه و على مسامع الراقصين و ذوي المجد . أراقب كل هذا و أنا جالس على منضدتي و أتجرع كأسي . من أنا إذاً فيهم ؟ أنا شخص يهوى الرقص . شخص منذ بدأ التردد على الحفل الراقص كانت الفتيات تطلبن منه أن يراقصهن و كان يلبي لهن رغباتهن شاعراً بالشرف ، الفخر و السعادة . شخص ظل هكذا إلى أن لمح يوماً ذلك البارمان و اقترب منه ، سكر من خمره و تعلم موهبة ما . لم تعد عيناي ترى فقط بل صارت تقرأ ، تخترق و تنفذ . فرحت بالموهبة في البداية و صرت أقول للفتيات أثناء مراقصتي أياهن كلاماً يندى له جبينهن عن معرفتي لما يدور في أذهانن . انبهر الكل في البداية من ذلك الشخص الموهوب و لكن مع الوقت تبدل الانبهار و الاندهاش بعدم ثقة فخوف و صرت أنا منبوذاً . لماذا أنا مازلت هنا ؟ لنفس السبب الذي جعل البارمان الوغد يظل هنا و هو إن صاحب المكان يريد هذا . رأيت الناس فكيف رأوني ؟ هناك من رآني مغرور ، هناك من رآني أغير ، هناك من رآني مقلد إلا إن الكل أجمع و أولهم أنا إنني مسخ . أما عن سبب كوني مسخ فأنا الوحيد الذي أعلمه . هذا لأنني تمنيت أن أكون مثل صاحب الحفل لكن باسلوب البارمان . تمنيت أن أحظى بكل شيء و ها أنا قد خسرت كل شيء . لطالما عشقت في الأفلام دور الوغد الذي يظهر معدنه الأصيل في نهاية الفيلم
و حالياً اتساءل متى تأتي النهاية ؟
تجرعت مرة أخرى من كأسي و بدأ الملل يتملكني و أنا أنظر للكل و هو يراقص و أنا هنا لا أجد ما أحدثه . شعرت بالملل كثيراً حتى ظهرت هي ، الجزء المفضل من يومي . إنها الفتاة التي وقع الوغد في هواها . الوحيدة التي رفضتني لأنها تعرفني جيداً . كادت أن تمر من أمامي لكنها لما وجدت ما أنا عليه من حزن أتت في صمت و جلست أمامي على المنضدة سائلة أياي عن حالي . وجدت نفسي أرد عليها بسؤالها أن تراقصني . صمتت قليلاً ثم وافقت على مضد على أن تكون تلك هي الرقصة الأخيرة . وافقت و صاحبتها إلى وسط القاعة و أنا في غاية الفرح و بدأت أراقصها . كان يكفيني النظر لعينيها حتى أنسى حزني و همي و كوني وغداً منبوذاً ، هذا لأنني كنت أنظر إلى عينيها كما علمني صاحب الحفل لا كما علمني البارمان . درنا سوياً فوقعت عيناي على البارمان الذي نظر لي -و لأول مرة بمقت- و وجدته يخرج محموله و يهمس فيه ببعض الكلمات
و صرت اتساءل متى تأتي النهاية ؟
فجأة انقلب الحفل و تكسر الزجاج و دخل عبره بعض الرجال الملثمين حاملين رشاشات . أطلقوها و خرج البارمان من خلف باره و هو يصيح بصوت عالٍ ظافراً معلناً على سيطرته الكاملة على الحفل طالباً من المدعوين أن يركعوا على الأرض . المدعوون اللذون امتثلوا لأمره و لم يكتفوا فقط بأن يركعوا بل اختبئوا تحت المناضد من راقصين ، أشخاص مهمين و مغنيين . الوحيد الذي ظل واقفاً بثبات هو الوغد المدعو أنا . العله الوقت المناسب ؟ لا أدري لكن ما أدركته بشدة وقوفها خلفي محتمية بي . العلها بدأت تفهم بدورها ؟ نريد ضحية ، هكذا صرخ البارمان و هتف الملثمون خلفه . نظرت له ثم لهم ثم لهم ثم لها . وجدت دموع في عينيها . بدأت تعتذر لي ، بدأت تهذي و تتحدث عن شعورها بالأمان الآن و عادت لتعتذر لي إنها لم تكن تدرك إن ما سيوفر لها ذلك الشعور بالأمان هو ما كانت ترفضه بي . امسكت بيديها و ودعتها بابتسامة . اتخذت خطوات ثابتة نحوه ، العله الوقت المناسب ؟ اتذكر نظرات الناس الكريهة ، اتذكر صاحب الحفل ، أرى البارمان ، أتذكر عينيها في قسوتها ، أتذكر عينيها في دموعها ، أتذكر لمسة يدها في رقصتها ، اتذكر لمسة يدها في وداعها و اتساءل مرة أخرى العله الوقت المناسب ؟ وقفت أمامه بثبات . نظر لي نظرات قاسية ثم سألني إذا كنت متأكداً من قراري . ابتسمت . أخبرته إنه آن الأوان و إنه.....
أخيراً قد حانت النهاية
جاء الوقت لكي يعلم الجميع ماهيتي كما إنه ليس لدي هنا في الحفل ما أخسره . رفع المسدس و أطلق رصاصة .... وسط ابتسامتي