Thursday, April 1, 2010

أطواق نجاة

إنني خائف جداً ، مرتعباً . من الغريب بالطبع أن أبدأ بكتابة مدونة مثل تلك بمثل تلك الكلمات بدلاً من أن أبدأ بمثيلاتها من الكلمات المشجعة التي تساهم ببناء مقدمة طبيعية استطيع خلالها أن أنفد إليكم بموضوعي الذي أود التحدث فيه . كلمات غريبة أعلم و لكن من قال إن الظروف التي أمر بها لظروف طبيعية . لأا أعلم إن كانت ستواتيكم الفرصة يوماً حتى ترون تلك المدونة كما اكتبها الآن ، لا أعلم إن كانت ستواتيكم الفرصة لتروا الورق المتألف من أوراق الشجر و الحبر من الدماء . ما الذي وصل بي إلى مثل تلك الحالة ؟ اتصدقونني إن أخبرتكم لإنني بدوري لست أعلم ؟ لقد مرت الأحداث بسرعة البرق . لقد كان الإيمان به قوياً . كيف تم الأمر ؟ كيف حدث ؟ و ترى ما الذي يحدث الآن ؟ بدا الأمر عندما وجدت رسولين مبعوثين من قبل السيد يطلبان للسيد و حاشيته يسألانني بيتي المتواضع الحقير الذي يدعوه السيد عليته أن يكون متكأ لهم . لم تكن تلك المرة بالأولى ، لقد تشرفت المدعوة عليتي بالسيد في العديد من المرات و كانت منارة في حال مجيئه و كخيال مآتة تبدو عنذ ذهابه لذا فما ترددت لحظةً عندما طلبها . اعطيتهما المفاتيح . المدعوة عليتي احبها أن تكون منارة ، أعشق أن يرقب المارون النور الخارج من خلف نوافذها لأنهم متأكدون من وجود السيد هناك ، ذلك السيد الذي تعلق به آمالهم كمخلص و ينتظرونه منذ السقوط و أنا أولهم . كان من المفترض إن السيد يحب أن يجتمع بخواصه و لا يحب أن يعكر أحد عليه صفو تلك الجلسة فقطعك أياها لأن تفتح باب السماء بتبجح داخلاً بغير ثياب العرس لتقطع طعام ابن الانسان الذي له طعام مختلف عن طعام بني البشر ، وقد كان الأمر يثير حنقي و غيظي في البداية إلا إن غيرتي تلك خُتمت بابتسامة منه معلناً لي إن أتذكر إن الأمر برمته يتم ، في البداية و في النهاية ، في تلك المدعوة عليته و إنني سأعود لنجلس سوياً يوماً حين يحين الوقت المناسب . لذا تركتهما يذهبا و لم أصحبهما و أكملت محاولاً أن أملأ ما كنت أفعله من ملء أجراء الماء لأن بيتنا يحتاج إلى الماء . لي ستة أيام أحاول أن أغسل قدمي بمياة إلا إن الأمر لا يجدي و قدماي فقط لا تنظفان بل و تتأكلان و اكتشفت السبب ، المياة الذي يجلبها عبيدي ، المياة التي لم تنجح في غسل أرجلي ، المياة التي ساهمت في تآكل قدمي كانت كلها مياة مالحة قادمة من ذلك البحر . اغتممت يومها و لكني اسرعت ابحث عن الحل و اسأل الجمع فدلوني بركة لها سلوام كاسم و اخبروني إن لها قوة معجزية مع اختفاء القمر من كل شهر و لكن في غير ذلك فإن المياة نفسها طاهرة و لها فوائد صحية و ها أنا أملأ الأجران و لا انجح ، اضع الجرن في العمق و اخرج به فإذ به فارغاً . ضجري و حنقي جعلانني اتذكر السيد و شعرت شعوراً غامضاً محتواه إن اليوم ليس كأي اليوم . نعم ، ها أنا سأقوم و أعود إلى هناك ، أصل كل الأشياء . اسرعت و صعدت لتلك التي يدعوها عليته . اختبأت خلف الستائر ، مشهد مألوف اثنا عشر فرد يتوسطهم الثالث العشر ، الأصل ، المخلص ، السيد . اللعنة ، لماذا جلسوا من تلك الناحية ؟ لماذا لم تكن ستائر المدعوة عليته من الناحية الأخرى حتى اتمكن من قراءة شفاههم ، رؤية نور وجهه و انطباعات وجوه الباقي . لم تعد عيناي بالمفيدة ، أشكر الله إنه لم يكتف بها كحاسة يخلقها في فقد اعطاني من الوزنات العديد . نعم ، ساستمع إلى حواراتهم . من الخلف استطعت أن أرى حركات أيديهم فقط إلا إن ما سمعته وقتها لم يكن يتوافق . سمعت السيد يسأل : بكم أحد سيسلمني فسمعت كلٍ منهم : العلى أنا يا سيد ؟ و دار السؤال على السنتهم حتى توقف عند من كان على يساره و حينها سمعت السيد :"أنت قلت" ثم "أرجوك إذاً أن تتعقل و تتوقف عن فعل ما تنتوي فعله " و عند نهاية الجملة دار الوجة المقدس لمواجهة التلميذ الذي كان عن يساره و الحدث الذي فجر بداخلي أول ينابيع الخوف إلا إن فمه الذي استطعت أن المح حافته لم يتحرك و لكن الصوت دوى في أذني و من الواضح إنني لم أكن بالوحيد الذي سمع الجملة الأخيرة فقد ارتسم قلق سريع على وجة التلميذ و دار بوجهه يجول في المكان ثم عاد ساكناً كأن شيئاً لم يكن . استطعت رؤية تلميذ يدفع التلميذ الذي عن يمينه فسمعت من كان على اليمين و في الحضن يسأل : اخبرنا من فسمعته يقول : من اغمس و اعطيه هو الذي يسلمني" من كان على اليسار ومن توتره امسك بكسرة في الخبز محاولاً التظاهر بانشغاله عن الكلام و مد يده و ... اللعنة ، ماذا فعل وقتها ؟ كيف فعل ذلك ؟ أمن أجل أن يتظاهر بعدم السمع يتجاهل أعراف الفصح و يتجاهل الصوت الجهوري الذي دوى "أرجوك ، لا تغمس معي " و يغمس مع السيد في الصفحة ذاتها ؟ ماذا يظن نفسه ؟ إلا إن السيد لم يفعل شيئاً له و كأنما لم يرتكب شيئاً بل أعطى له كسرة في الخبز . استطعت أن أرى طرف وجهه وقتها من عين دامعة و فم عليه تلك الابتسامة الحزينة المعهودة و الصوت يدوي و كأنما تنهمر الدموع من الصوت نفسه بفم صامت صارخاً فيه :" أرجوك ، لا تأخذ تلك الكسرة ، إفزع ، إصرخ في وجهي ، إبكي ، إنكر ، إعترف بخطيتك و لكن لا تأخذها مني ، إلا إن يكون أنت يا يهوذا ، أقبل أن يرفضني العالم كله و يسلمني و لكن ... إلا أن يكون أنت ، أرجوك ، لا تأخذها ، أرجوك ، أرجوك " كان من الواضح إنني لست بالفعل من يسمع الصوت الجهوري و إن ذلك اليهوذا يسمعه أيضاً . خاف هو بدوره ثم تشجع و كأنما فارس يغالب مخلص لملك أسود أخذ الخبزة ببساطة و بعينين متحديتين ساخرتين . عم الصمت فجاة و بعدها دوى تحرك فم السيد :" ما أنت مزمع أن تفعله فافعله سريعاً" احنى يهوذا رأسه للسيد في طاعة مثل المقاتل الذي يحني رأسه تحية لعدو له قبل القتال . وقتها ، قام ، التفت نحوي معطيأ أياهم أجمعين ظهره و تحرك نحوي و اقترب مني و تجاوزني و كأنما عمي عمن كل من كان حوله غير شاخصاً إلا لهدف واحد . تبعته و لما خرجنا ، امسكته محاولاً أن أعيد اياه إلى الوراء ، صرخت و أنا منهمر في بكاء هيستيري :" لقد توسل إليك السيد ، لقد ترجاك ، أنت سمعته ، أرجوك ، أرجوووك" و اكتشفت إن النظر لم تكن بالحاسة الوحيدة التي ماتت فيه ، لقد ماتت داخله حواس أخرى . لم يسمعني ، لم يجبني ، دفعني ، أسقطني و مضى . ظللت هناك خارجاً ساقطاً باكياً . بكيت لمدة ليست بقليلة حتى رأيتهم . خرجوا بهيئة مختلفة ، وجوه مضيئة تبعث على البهجة و البسمة و ... و الأقدام لم تكن فقط نظيفة مضيئة إلا إنها كانت صحيحة لا توسخها التراب أو تجرحها الحصى . مشدوهاً ، تبعتهم من بعيد . ظل السيد يتحدث معهم كثيراً حتى وضلنا لبستان مدعى جسثيماني . طلب أن يختلي بثلاثة من تلاميذه و تلك المرة ، احترمت رغبته و جلست في مكاني أراقب التلاميذ اللذين لم يتمكنوا من مقاومة النوم . كنت أنا لأنام مثلهم إلا إنني شعرت بلسعة برد فطوقت كتفي فنظرت إلى الجهة التي منها النسيم البارد فإذ بي أراه . ذلك اليهوذا آت و معه العديد من رؤساء الكهنة بالجنود الرومان مصحوبين . كيف استطاع ؟ كيف استطاع هذا اللعين ؟ كيف أن استطاع أن يجمع الجبهتين المتعاديتين ؟ هممت بالاندفاع لأحذر التلاميذ أن يخفوا السيد إلا إن السيف سبق العذل و ظهر السيد متبوعاً بالثلاثة . توقف المشهد و عاد السيد يقطع الصمت :" يا صاحب ، لماذا جئت ؟" ثم "أتعلم يا يهوذا ؟ أتعلم ؟ حتى الآن ، توجد لك فرصة ، مازلت أحبك و مازالت الفرصة قائمة أمامك " ثم ابتسم مكملاً بالصوت الخفي الجهوري " و أنا أرجوك تلك المرة أن تأخذها ، خذها يا حبيبي ، خذها ... يا صاحب " قد يكون ذلك اليهوذا على دراية باحترام العدو قبل المقاتلة إلا إنه لم يستطع أن يتحمل مفهوم المحبة المطلقة الكاملة الأعداء . الأمر الذي جعله يعود إلى الخلف و يطلق لقدميه العنان . فجأة ، انقلب الموقف . حاولوا أن يمسكوا السيد فحاول اتباعه حمايته إلا إنه لم يلبثوا أن خافوا و بدأوا يهربون الواحد تلو الآخر . ظللت واقفاً أرقبهم واحداً واحداً إلى أن وجدت يد قاسية تمتد من عدم لتمسك بالإزار الذي ارتديه . تريد الإزار ؟ خذه . و خرجت منه عرياناً مقلداً بهذا أبانا يوسف لما هرب من ثوبه هو الآخر إلا إن الفرق كان واضحاً تلك المرة . هرب هو من خطية أما أنا فهربت من مجد . ظللت أجري و أجري بين الأغصان ناسياً البرد ناسياً التعب ناسياً حتى ما كنت أهرب منه حتى عاد الصوت الجهوري يدوي و يذكرني : "أين أنت ؟ " فتوقفت و سقطت على ركبتي :"سمعت صوتك فهربت لأنني عريان " فأجاب الصوت تاركاً صدى :" و ما أدراك إنك عريان ؟ "حاولت أن أجد الاجابة إلا إنني فشلت . ظننت البرد السبب فوجدت شجرة فروعها فارغة ساقطة كافة أوراقها بجانبها . حاولت أن أغطي نفسي بالأوراق حتى اكتشفت الفاجعة . الأوراق كانت لشجرة تين ، تلك التي لعنها السيد منذ ثلاثة أيام . بكيت و جلست سانداً ظهري على الشجرة . أخذت ورقة من الورق ، جرحت نفسي و ها أنا أكتب إليكم ما حدث . إنني خائف جداً ، مرتعباً . كلمات ستنمحي إذا أجبت على تلك الأسئلة لي
ما أدراك إنك عريان ؟
ما الذي يحدث الآن ؟
هل سيعود السيد إلى حيث يدعوه عليته يوماً ؟