Saturday, August 15, 2009

اه لو


الوقت متأخر و الجميع مضى إلى بيوتهم و مازلت أنا هنا . لابد أن أذهب أنا الآخر بدوري . لملمت أغراضي و اتخذت طريقي خارجاً من المكان . كدت ابلغ الباب حتى سمعت صوت موسيقى بالداخل . عدت أدراجي و وقفت خلف تلك النافذة التي تفصلنا عن قاعة الرقص التي نتعلم فيها . و قفت هناك أراقب ما يحدث بالداخل و أفلتت حقيبتي أثر قوة ما رأيته . كانت هناك واقفة و مازالت ترتدي ملابس الرقص كاملة و تعقد شعرها على طريقة ذيل الحصان . كانت تبدو و كأنها تراقص شخص وهمي لا وجود له على نغمات الموسيقى . ماذا تشكل بالنسبة لي ؟ أغرب علاقة في حياتي . استطيع الرقص بجدارة كذلك تستطيع هي إلا إننا ما استطعنا يوماً أن ترقص سوياً . دائماً ما تكون المشكلة في وجود آخرين أو عدم وجود مزاج لشخص مننا للرقص مع الآخر في الوقت الذي يتمنى فيه الرقص معه . ما كنا نستطيع أن نفعله - أنا و هي - الرقص مع آخرون و النظر في شماتة لبعضنا البعض إذا كان الآخر يستطيع الرقص أم لا . أستطيع الآن أن أرى في الشحص الوهمي الذي تراقصه جميع الشخصيات اللدين راقصتهم لاثارة حفيظتي و الشماتة بي . أنا لا آبه بكل هذا ، أنا أريد مراقصتها دائماً إلا إنني كنت أكابر . إنه ليس بالأمر الصعب . لا يوجد أحداً و كل ما علي فقط هو أن أسألها ذلك . كانت هناك منهمكة في مراقصة الشخص الوهمي حتى سمعت فجأة صوت خلفها :" هل تسمحي لي ؟ "
أخذت تنظر لي أثر الجملة كثيراً . كان أول تعبير ارتسم على وجهها الفزع ثم اندهشت قليل ثم ارتسم على وجهها تعبير بالرفض و ذهبت و لملمت حاجياتها و أخذت طريقها للخروج إلا إنني كنت اعترض طريقها و تجاهلت تلك النظرة الصارمة التي تطلب مني فيها أن أفسح لها الطريق و قلت لها :" جربيني فقط تلك المرة "
أخذت تنظر لي تلك النظرة التي تجمع بين المقت و الشغف ثم لم تلبث أن ألقت بحاجياتها . رفعت بيدي نحوها فامسكت بيدي و اصطحبتها لوسط قاعة الرقص و أخذنا نرقص و نرقص . لم نكن نحتاج لأن نتكلم فقد كانت أعيننا و أجسادنا تقوم بذلك الدور . فجأة وجدتها تتركني و تلملم حاجياتها و تركض خارجة . تركت نفسي أسقط على أقرب كرسي و شردت في الاسطوانة التي تعمل . موسيقى جميلة ، مهلاًً ؟؟؟
كانت تلك هي الموسيقي التي لطالما احببت أن أرقص عليها و كنت أصمم الرقص عليها و كانت هي ترفض . أخرجت اسطوانتها لأقرأ ما عليها فإذ بي أفاجأ مكتوب عليها " إلى ... " ملحوقة باسمي . يا لها من ليلة ، اه لو يبقى العمر كله تلك الليلة ..... اه لو ...

حفل راقص


اتخذ خطواتي الثابتة و أنا في حلتي الأنيقة داخلاً إلى ذلك الحفل الراقص . ليست تلك هي المرة الأولي لي في هذا الحفل فلطالما حضرته و حفظت مدعويه حتى من لا أعرفه منهم . أراقب هؤلاء اللذين يراقصون فتياتهم و ينظرون لي في ازدراء و كأنني شخص دميم . أراقب هؤلاء اللذين يجلسون في مجدهم تحيط الفتيات بهم من كل جانب و كل فتاة منهن تنافس الأخريات في الاندهاش على ما يرويه حتى تحظى باعجابه . أراقب من فشل في أن يكون أياً من النوعين فاتخذ مكانه خلف المايك أمام فرقة العزف و طفق يغني على ليلاه و على مسامع الراقصين و ذوي المجد . أراقب كل هذا و أنا جالس على منضدتي و أتجرع كأسي . من أنا إذاً فيهم ؟ أنا شخص يهوى الرقص . شخص منذ بدأ التردد على الحفل الراقص كانت الفتيات تطلبن منه أن يراقصهن و كان يلبي لهن رغباتهن شاعراً بالشرف ، الفخر و السعادة . شخص ظل هكذا إلى أن لمح يوماً ذلك البارمان و اقترب منه ، سكر من خمره و تعلم موهبة ما . لم تعد عيناي ترى فقط بل صارت تقرأ ، تخترق و تنفذ . فرحت بالموهبة في البداية و صرت أقول للفتيات أثناء مراقصتي أياهن كلاماً يندى له جبينهن عن معرفتي لما يدور في أذهانن . انبهر الكل في البداية من ذلك الشخص الموهوب و لكن مع الوقت تبدل الانبهار و الاندهاش بعدم ثقة فخوف و صرت أنا منبوذاً . لماذا أنا مازلت هنا ؟ لنفس السبب الذي جعل البارمان الوغد يظل هنا و هو إن صاحب المكان يريد هذا . رأيت الناس فكيف رأوني ؟ هناك من رآني مغرور ، هناك من رآني أغير ، هناك من رآني مقلد إلا إن الكل أجمع و أولهم أنا إنني مسخ . أما عن سبب كوني مسخ فأنا الوحيد الذي أعلمه . هذا لأنني تمنيت أن أكون مثل صاحب الحفل لكن باسلوب البارمان . تمنيت أن أحظى بكل شيء و ها أنا قد خسرت كل شيء . لطالما عشقت في الأفلام دور الوغد الذي يظهر معدنه الأصيل في نهاية الفيلم
و حالياً اتساءل متى تأتي النهاية ؟
تجرعت مرة أخرى من كأسي و بدأ الملل يتملكني و أنا أنظر للكل و هو يراقص و أنا هنا لا أجد ما أحدثه . شعرت بالملل كثيراً حتى ظهرت هي ، الجزء المفضل من يومي . إنها الفتاة التي وقع الوغد في هواها . الوحيدة التي رفضتني لأنها تعرفني جيداً . كادت أن تمر من أمامي لكنها لما وجدت ما أنا عليه من حزن أتت في صمت و جلست أمامي على المنضدة سائلة أياي عن حالي . وجدت نفسي أرد عليها بسؤالها أن تراقصني . صمتت قليلاً ثم وافقت على مضد على أن تكون تلك هي الرقصة الأخيرة . وافقت و صاحبتها إلى وسط القاعة و أنا في غاية الفرح و بدأت أراقصها . كان يكفيني النظر لعينيها حتى أنسى حزني و همي و كوني وغداً منبوذاً ، هذا لأنني كنت أنظر إلى عينيها كما علمني صاحب الحفل لا كما علمني البارمان . درنا سوياً فوقعت عيناي على البارمان الذي نظر لي -و لأول مرة بمقت- و وجدته يخرج محموله و يهمس فيه ببعض الكلمات
و صرت اتساءل متى تأتي النهاية ؟
فجأة انقلب الحفل و تكسر الزجاج و دخل عبره بعض الرجال الملثمين حاملين رشاشات . أطلقوها و خرج البارمان من خلف باره و هو يصيح بصوت عالٍ ظافراً معلناً على سيطرته الكاملة على الحفل طالباً من المدعوين أن يركعوا على الأرض . المدعوون اللذون امتثلوا لأمره و لم يكتفوا فقط بأن يركعوا بل اختبئوا تحت المناضد من راقصين ، أشخاص مهمين و مغنيين . الوحيد الذي ظل واقفاً بثبات هو الوغد المدعو أنا . العله الوقت المناسب ؟ لا أدري لكن ما أدركته بشدة وقوفها خلفي محتمية بي . العلها بدأت تفهم بدورها ؟ نريد ضحية ، هكذا صرخ البارمان و هتف الملثمون خلفه . نظرت له ثم لهم ثم لهم ثم لها . وجدت دموع في عينيها . بدأت تعتذر لي ، بدأت تهذي و تتحدث عن شعورها بالأمان الآن و عادت لتعتذر لي إنها لم تكن تدرك إن ما سيوفر لها ذلك الشعور بالأمان هو ما كانت ترفضه بي . امسكت بيديها و ودعتها بابتسامة . اتخذت خطوات ثابتة نحوه ، العله الوقت المناسب ؟ اتذكر نظرات الناس الكريهة ، اتذكر صاحب الحفل ، أرى البارمان ، أتذكر عينيها في قسوتها ، أتذكر عينيها في دموعها ، أتذكر لمسة يدها في رقصتها ، اتذكر لمسة يدها في وداعها و اتساءل مرة أخرى العله الوقت المناسب ؟ وقفت أمامه بثبات . نظر لي نظرات قاسية ثم سألني إذا كنت متأكداً من قراري . ابتسمت . أخبرته إنه آن الأوان و إنه.....
أخيراً قد حانت النهاية
جاء الوقت لكي يعلم الجميع ماهيتي كما إنه ليس لدي هنا في الحفل ما أخسره . رفع المسدس و أطلق رصاصة .... وسط ابتسامتي