Tuesday, April 21, 2009

رقم خمسة


وقفت بحصاني لأنزل و ابتاع أي شيء آكله . وقفت أمام البائع و أخرجت محفظتي و نظرت فيها :" اللعنة " نقودي تقرب على الانتهاء .
ابتعدت بنظري عن البائع و أخذت أجول بنظري في المباني حتى هبط على كازينو . نظرت له للحظات ثم ارتسمت على شفتي ابتسامة . دقائق و فُتح باب الكازينو بيدي .
اللعنة ، حيرة كل مرة : أي لعبة ؟
يعرفونني في المدينة باسم المقامر فأنا لا عمل لي و لكنني أصنع نقودي و أموالي من مثل تلك الأماكن ، و المقامر المحترف له شروط أولاً ، اختيار اللعبة المناسبة
ثانياً ، مثلما تقول الأغنية القديمة أن تضع لنفسك قواعد أهمها قاعدة اختيار الأوقات المناسبة ، اختيار وقت المراهنة ، اختيار وقت الانسحاب ، وقت الذهاب إلى آخره . قاطعت عيوني تفكيري :"إنها الروليت ، إذهب إلى هناك " فيرد تفكيري .
الروليت ؟؟ لعبة جميلة و أشعر إنها اللعبة المناسبة لي اليوم . حسناً ، فليكن .
عدلت من وضعية قبعتي و اتخذت طريقي نحو المنضدة . دخلت وسط المراهنين و كانت بداية اللعبة الجديدة .
وضعت القليل و قلت :" أراهن على 16 "و لم يأت 16 .
نسيت أن أخبركم إن أهم الشروط في المقامر و أسوأها هو ... الحظ ذلك الشيطان الذي لا كبير له . تذكرت تلك المعلومة البسيطة و أنا أخرج المحفظة من جديد و أضع قليلاً من النقود مرة أخرى مراهناً تلك المرة على :" رقم 2 "
سحبت بفمي إحدى سجائري الرخيصة من علبتها و أشعلتها . في الروليت ، لا تضع أبداً ثقتك في رقم بعينه . كن نذلاً مع الأرقام فالنقود و فقط النقود هدفك و مسعاك .
لم يأت 2 ، لا تيأس ، فقط إخرج محفظتك و ضع نقودك و راهن على :" 7 " و أقولها وسط الدخان .
و لم يأت 7 . لعنة القمار إنه لا قواعد له و ما قلته لك لا يتعدى شيئاً في بحره الواسع .
يتبقى القليل فماذا أفعل ؟ قاعدة جديدة ، لابد أن أبحث عن واحدة جديدة . إن كان الحظ لا يريد أن يأتي سأذهب له ، سأبحث عنه . درت بعيني في المكان و أخرجت السيجارة من فمي و نفثت دخان و من وراء الدخان لمحته . إنه أحد هؤلاء الأغنياء اللذين يترددون على المكان بغرض الأكل و الشرب و العطف على المساكين لا المقامرة . بسبب الدخان ، لم أستطع أن أتبينه إن كان ينظر لي إلا إنه أقدم على فعل ما فقد رفع كفه اليمنى و حياني . فهمت رسالة الحظ و عدت للمنضدة و أنا أضع رهان لكن تلك المرة على :" 5 " و لم يأت 5 . و كأنني كنت انتظرها و لكن تلك المرة وضعت رهاني على :" 5 "
لم أستطع أن أتبين نظرة الغني و لكنني استطعت أن أتبين نظرة الديلر الذي أعلم تماماً - و أكاد أقسم على هذا - إنه ينعتني بالغباء في داخله الآن . لم يأت 5 . هزيمتي تلك المرة منحته الحق تلك المرة أن يعبر عن رأيه فيا بابتسامة مستهزئة . لم أركز في رد فعله لأن تركيزي كان على :" رفم 5 من فضلك " بدأ اندهاش الديلر ينتقل لمن حولي .
لم يأت 5 " 5 " فأخسر و بدأ البعض يسخر بشكل و اضح و أنا أتجاهلهم و أردد " 5 " و بدأ عدد اللاعبين يزيد منهم من يعرف إنه سيكسب على حساب هزيمتي و منهم من يضع رهانه على رقمي لهدف مزدوج فلو لم يكسب من رقمي فسيحظى بالسخرية مني. على مدار الوقت ، أصبحت المزحة سخيفة و بدأ عدد اللاعبين يقل و ما تبقى هو بعض الأحاديث عن ذلك الغبي الذي يراهن على رقم ثابت بعينه و لم يكسب و مازال على حمقه . الأغبياء لا يفهمون .
كان سيكون لهم كل حق لو إن من يسخرون منه هذا يدعي إنه مقامر إلا إنني أعلم تماماً إن ما أفعله الآن ليس درب من دروب المقامرة .
هاهاها ، لم أعد مقامراً فقد أصبحت مجنوناً .
إنه ليس درب من دروب المقامرة . إنه أمر فوق ابليس الحظ . أمر راقي يجعلك تشعر شعوراً جديداً بأنك انسان وفي لن تترك رقم مهما فعل بك و أهانك . أمر يخضع لقاعدة ثابتة : إن الصح صح . أمر يدعى ببساطة ... الأيمان .
قد يبدو ما سأقوله جنونياً لكنني سأقوله :
لأول مرة أحترم نفسي و أراها أرقى من مجرد حيوان يسعى وراء اشباع ذاته و شهواته فهدفي لم يعد الأموال بل أصبح رقم خمسة.
مازالوا يضحكون . أغبياء . لم يأت 5 . أخرجت محفظتي و وجدت إنه لم يعد يتبقى لي إلا عملة بخمسة . نظرت للديلر و لم يكن متبقي إلانا فوضعت رهاني وقلت للمرة الأخيرة بعينين دامعتين و ابتسامة واثقة :" رقم ... خمسة "
و على مرأى و مسمع من محفظتي الخاوية ، دارت عجلة الروليت و للمرة الأخيرة . و ..... مازالت تدور .

Saturday, April 11, 2009

من يظن الشيطان نفسه؟


ها أنا أسير أسيراً لليل بسواده و نجومه ، أجوب الطرقات بعد أن سادني ملل مشاهدة فيلم السهرة الأمر الذي دعاني للخروج .
أسير وحيداً تاركاً لخيالي العنان لعله يقدر على تسلية شخص ممل مثلي .
أسير
و عيني ليست مع الطرقات بل مع الأثير
من أحداث بعضها ممل و المعظم مثير .
فجأة استيقظ على صوت أحدهم :" أين تظن نفسك ذاهباً ؟"
الصوت يشبه فحيح الحيات
التفت فأجده هالة من السواد .
-" من تظن نفسك لتمنعني ؟"
-" إنني الشيطان " هنا فقط يلمع وجهه و أستطيع أن أتبين تلك العيون الحمراء و كأنه يحتوي الجحيم نفسه .
ابتسم في استخفاف فيظنني لا أصدقه مما دفعه ليفغر فاه بشده عندما أجبت :" و هل هذا يمنحك الحق الكافي لازعاجي ؟"
-" أقدم من البشرية و صراع دائم مع ابناء جنسك يشوبه الحب و الحرب و تسألني عن الحق ؟"
-" انظر إلى نفسك
ها أنت تبدو كواحد من الشحاذين
مسكين محاط بمساكين "
-" أصبحت هكذا لأنني استطعت و لو لمرة واحدة أن أقهر إلهك و أهين العظيم فأصير بهذا أعظم "
خاف لما صرخت فيه :" فعلت هذا لأنك غبي
لأنك أحمق
لأنه استطاع أن يستدرجك و خدعك "
-"إن كنت لا تريد أن تسمع كلامي و تلزم بيتك لأجلي
افعلها كما يفعلها ابناء جنسك لأجله
احتراماً لطريق اهانته و ذله "
يقول هذا فأبدأ بالدوران حوله :
-" ليس بالبقاء في المنزل فقط يستطيع الانسان أن يعطيه وضعه فكثيراً ما جلست في منزلي إلا إنني ..."
و أنظر له
و أشير نحوه :
-" كنت أفعل مثلك بل و كنت أتفوق عليك " و اقتربت منه و تأبطت ذراعه :
" هذا لأن صلبي له كان مختلفاً
يحمل العديد من دروب الفن "
-" ماذا تقصد ؟"
-" إنك فقير جداً يا عزيزي الشيطان فقد كنت تمارس دوراً واحداً في هذا الأسبوع أما أنا فقد كنت بالبراعة الكافية أن أكونهم كلهم ، يوم الأحد أتجه إلى نخلة و أقطع بضعاً من السعف عائداً إلى هذا الملك الذي يعلو الجحش ابن الاتان مهللاً مع الناس و صوتي يذوب مع صراخهم أوصنا الآتي باسم داود ،
أعيش أسبوع كامل بكل المشاعر و الأحاسيس
حتى أصل لذروتي يوم الخميس
أبيعه و أهرب تاركاً اياه و أصرخ في بطرس : أنت تعرفه فأنكر
و أخاف حبل المشنقة فأبكي
و أتذكر حينها إنه غسل قدمي فأغسل يدي متبرئاً من دمه الذي كان على رأسي و ملأ يدي عندما جلدته ، ضربته بالحربة و صلبته .
صلبته و أنا أصرخ له : اذكرني متى جئت في ملكوتك و أنا أعلم إنه يحررني الآن من قيود الظلمة و ظلال الموت . صلبته و أنا أعلم تماماً إن تلاميذه ليسوا بحاجة ليسرقوه لأنه سيفي بوعده يقوم .
صلبته بتبجح ليس عن جهل مثلك فأنا أعلم إنه سيقوم لأنه الإله و ابن الله " ثم أطرقت :" يا عزيزي إنني أكثر عبقرية منك فأنت حاولت أن تهينه من الخارج أما أنا فألبس جسده و أجعل أعضاءه أعضاء زانية " و أصبح صوتي مخيفاً تعلوه ابتسامة أكثر رعباً :
-" أعلمت الآن إن الانسان أقوى من الشيطان فمن يظن الشيطان نفسه ؟ الانسان يستطيع أن يصير الأعظم لأن القوتين الباقيتين غير قادرتين على ردعه ، الشيطان لأنه غبي و الله لأنه يحبه " و أريته المعنى الحقيقي للابتسامات الخبيثة و أنا أقول :" أرأيت عبقرية أكثر من هذا ؟ "
ظل مشدوهاً مذهولاَ ثم فجأة رفع قبعته و انحنى . نظرت له لمدة ليست بكبيرة ثم غمغمت :" غبي " و مضيت .
-" بل أنت الغبي ، لو كان الحب لا يستطيع أن يردع لما صرت على ما أنا عليه و لما أتخذه الله له اسماً " قالها و أنا ابتعد معيد القبعة على رأسه و يقف من جديد تعلو وجهه ابتسامة استخفاف قبل أن يمضي هو الآخر في طريق آخر