وقفت بحصاني لأنزل و ابتاع أي شيء آكله . وقفت أمام البائع و أخرجت محفظتي و نظرت فيها :" اللعنة " نقودي تقرب على الانتهاء .
ابتعدت بنظري عن البائع و أخذت أجول بنظري في المباني حتى هبط على كازينو . نظرت له للحظات ثم ارتسمت على شفتي ابتسامة . دقائق و فُتح باب الكازينو بيدي .
اللعنة ، حيرة كل مرة : أي لعبة ؟
يعرفونني في المدينة باسم المقامر فأنا لا عمل لي و لكنني أصنع نقودي و أموالي من مثل تلك الأماكن ، و المقامر المحترف له شروط أولاً ، اختيار اللعبة المناسبة
ثانياً ، مثلما تقول الأغنية القديمة أن تضع لنفسك قواعد أهمها قاعدة اختيار الأوقات المناسبة ، اختيار وقت المراهنة ، اختيار وقت الانسحاب ، وقت الذهاب إلى آخره . قاطعت عيوني تفكيري :"إنها الروليت ، إذهب إلى هناك " فيرد تفكيري .
الروليت ؟؟ لعبة جميلة و أشعر إنها اللعبة المناسبة لي اليوم . حسناً ، فليكن .
عدلت من وضعية قبعتي و اتخذت طريقي نحو المنضدة . دخلت وسط المراهنين و كانت بداية اللعبة الجديدة .
وضعت القليل و قلت :" أراهن على 16 "و لم يأت 16 .
نسيت أن أخبركم إن أهم الشروط في المقامر و أسوأها هو ... الحظ ذلك الشيطان الذي لا كبير له . تذكرت تلك المعلومة البسيطة و أنا أخرج المحفظة من جديد و أضع قليلاً من النقود مرة أخرى مراهناً تلك المرة على :" رقم 2 "
سحبت بفمي إحدى سجائري الرخيصة من علبتها و أشعلتها . في الروليت ، لا تضع أبداً ثقتك في رقم بعينه . كن نذلاً مع الأرقام فالنقود و فقط النقود هدفك و مسعاك .
لم يأت 2 ، لا تيأس ، فقط إخرج محفظتك و ضع نقودك و راهن على :" 7 " و أقولها وسط الدخان .
و لم يأت 7 . لعنة القمار إنه لا قواعد له و ما قلته لك لا يتعدى شيئاً في بحره الواسع .
يتبقى القليل فماذا أفعل ؟ قاعدة جديدة ، لابد أن أبحث عن واحدة جديدة . إن كان الحظ لا يريد أن يأتي سأذهب له ، سأبحث عنه . درت بعيني في المكان و أخرجت السيجارة من فمي و نفثت دخان و من وراء الدخان لمحته . إنه أحد هؤلاء الأغنياء اللذين يترددون على المكان بغرض الأكل و الشرب و العطف على المساكين لا المقامرة . بسبب الدخان ، لم أستطع أن أتبينه إن كان ينظر لي إلا إنه أقدم على فعل ما فقد رفع كفه اليمنى و حياني . فهمت رسالة الحظ و عدت للمنضدة و أنا أضع رهان لكن تلك المرة على :" 5 " و لم يأت 5 . و كأنني كنت انتظرها و لكن تلك المرة وضعت رهاني على :" 5 "
لم أستطع أن أتبين نظرة الغني و لكنني استطعت أن أتبين نظرة الديلر الذي أعلم تماماً - و أكاد أقسم على هذا - إنه ينعتني بالغباء في داخله الآن . لم يأت 5 . هزيمتي تلك المرة منحته الحق تلك المرة أن يعبر عن رأيه فيا بابتسامة مستهزئة . لم أركز في رد فعله لأن تركيزي كان على :" رفم 5 من فضلك " بدأ اندهاش الديلر ينتقل لمن حولي .
لم يأت 5 " 5 " فأخسر و بدأ البعض يسخر بشكل و اضح و أنا أتجاهلهم و أردد " 5 " و بدأ عدد اللاعبين يزيد منهم من يعرف إنه سيكسب على حساب هزيمتي و منهم من يضع رهانه على رقمي لهدف مزدوج فلو لم يكسب من رقمي فسيحظى بالسخرية مني. على مدار الوقت ، أصبحت المزحة سخيفة و بدأ عدد اللاعبين يقل و ما تبقى هو بعض الأحاديث عن ذلك الغبي الذي يراهن على رقم ثابت بعينه و لم يكسب و مازال على حمقه . الأغبياء لا يفهمون .
كان سيكون لهم كل حق لو إن من يسخرون منه هذا يدعي إنه مقامر إلا إنني أعلم تماماً إن ما أفعله الآن ليس درب من دروب المقامرة .
هاهاها ، لم أعد مقامراً فقد أصبحت مجنوناً .
إنه ليس درب من دروب المقامرة . إنه أمر فوق ابليس الحظ . أمر راقي يجعلك تشعر شعوراً جديداً بأنك انسان وفي لن تترك رقم مهما فعل بك و أهانك . أمر يخضع لقاعدة ثابتة : إن الصح صح . أمر يدعى ببساطة ... الأيمان .
قد يبدو ما سأقوله جنونياً لكنني سأقوله :
لأول مرة أحترم نفسي و أراها أرقى من مجرد حيوان يسعى وراء اشباع ذاته و شهواته فهدفي لم يعد الأموال بل أصبح رقم خمسة.
مازالوا يضحكون . أغبياء . لم يأت 5 . أخرجت محفظتي و وجدت إنه لم يعد يتبقى لي إلا عملة بخمسة . نظرت للديلر و لم يكن متبقي إلانا فوضعت رهاني وقلت للمرة الأخيرة بعينين دامعتين و ابتسامة واثقة :" رقم ... خمسة "
و على مرأى و مسمع من محفظتي الخاوية ، دارت عجلة الروليت و للمرة الأخيرة . و ..... مازالت تدور .
No comments:
Post a Comment