Tuesday, October 20, 2009

سليمان و شلوميت

ملحوظة : أحداث تلك القصة ليست فقط من محض الخيال و لكنها لا تمت للواقع بأي صلة بتاتاً ، فقط واحدة من لاذعاتي التي عهدتونهم فيا .
ما هذا ؟ أين أنا ؟ حالة غريبة من الوعي و موقف يجمع ملكين احدهما عبداً للآخر. عجزت لحظة عن التفكير إلا إنني تداركت ثباتي و رفعت عيني نحوه بابتسامة امتنان قائلاً :" اعط عبدك قلباٌ فهيماً "
دعونا نعود قبلها بفترة زمنية كافية ، أنا الولد الذي يشير نحوه الجميع قائلين بكل حرفية عندما يهل :" أوصنا الآتي ابن داود "
نعم ، أنا ابن داود ، الملك العظيم ، ابنه من واحدة من سراريه تدعى بتشبع . تناثرت الأقوال و قيل إن أمي في نظر المجتمع امرأة زانية فقد تزوجها الملك بعد أن أغراها شكله و هي تستحم ، بعد أن زنى معها ، بعد أن قتل زوجها . لم يكن جميع من كانوا في القصر يحتاجون لأن يعبروا عن وجهة نظراتهم فيا ، كنت أقرأها في عيونهم دون أن يقولونها " ابن الزانية "
في البداية ، لم أكن أصدق هذا ؟ كيف أصدق هذا عندما أراقب أبي و هو يعزف أمامي على القيثارة محاولاً تعليمي عزفها ؟ كيف أصدق هذا و أنا أصغي إلى أبي عندما يتحدث عن الرب و أجده يقول في سعادة الأطفال مع كل حكاية يتلوها إن الله ذات يوم قال على قلبيهما إنهما متشابهين ؟ كيف أصدق هذا على تلك الأم الصالحة التي لم أر يوماً أطهر أو أحن منها ؟
لم تستمر تلك النظرة كثيراً . تساؤلات "كيف أصدق؟ " لم تعد تتردد عليا مرة أخرى منذ أتت مرة و لم تجد ذلك الطفل الذي كان دوماً يقتنع و لا يصدق بل وجدت مراهقاً كبير يعاني و هو ينظر لها قائلاً لها :" يا أيتها التساؤلات ، اعطيني تبريراً واحداً يجعل الملك يعد بأن أكون أنا ولي العهد على الرغم من تعدد البنين و الأخوة " صمتت التساؤلات و ترقرقت على عينيها دمعة و مضت دون رجعة تاركة خلفها مراهق تأكد إنه ابن زانية لا يتحمل أن يكون موجوداً في تلك الحياة .
مرت سنين و الحقيقة تتوارى بالتراب و يصير ابن الزانية ملكاً إلا إن ابن الزانية لا ينسى .
كل ذلك تذكرته و أنا شاخص لشبية ابن الآلهة الذي تجلى لي في حالة وعي غريبة قريبة للحلم أو الدهش . طلب مني أن أطلب طلب فمرت كل تلك الذكريات و وجدت نفسي –و لدهشتي- أنظر له بابتسامة امتنان :"اعط عبدك قلباً فهيماً"
وضع يده على فمه مطرقاً مفكراً و هو يقترب مني ثم وضع يديه على كتفي :" قرار حكيم يا سليمان ، تريد قلباً فهيماً ، القلب لكي تعتمد على المشاعر و الفهم لتجد تفسيراً منطقياً تستطيع أن تجد به حلول جذرية للصراعات الداخلية القائمة داخلك بين ابن الزانية و ابن الملك . تريد ارشاد ؟ تريد أن يتسلط الرب على قلبك فيصير بهذا قلبك مسكناً لملكوت السموات و بره ؟ حسناً قلت فأنا أمنحك هذا و الباقي كله يزاد لك من ثروة و سلطة و سراري . غداً يا سليمان ، سوف يأتيك سر الحكمة "
و أستيقظت . أهكذا كان الأمر ؟ أهو بتلك البساطة ؟ هل أصبحت الآن....حكيماً ؟ و إذا كان فلماذا لا أشعر بأي راحة داخلية أو أي حلول للحروب النفسية ؟
عللت الأمر بأنه حلم ليلة صيف و بدأت بمباشرة أعمالي و ظللت اليوم بطوله منهمكاً للدرجة التي معها نسيت أمر ذلك الحلم .
انتهى اليوم ، كنت مجهدأ و لم يعد في مقدوري القيام بأي أمور أخرى . هممت بالعودة إلى حجرتي حتى أنال بعض الراحة حتى سمعت تلك الجلبة في الخارج .
-"ما الأمر ؟ "
-"لا تزعج بالك يا جلالة الملك "
أمرته بحزم فطفق يحكي إن تلك الجلبة سببها زانيتين تقفان على الباب تتنازعان على طفل تصممان أن تدخلا للملك حتى يعدل بينهما و يقرر من فيهما الأحق بالطفل . كان يكتم ابتسامة استخفاف و هو يحكي "غداً يا سليمان... " كان يبتسم تلك الابتسامة لأنه كان متأكداً إن الأمر مجرد صفر على الشمال بالنسبة لي و كان ليكاد يجزم إنني سأضحك بعد أن يتلوها إن لم يكن يتلوها لتسليتي و حتى يجعلني انسى الارهاق "غداً يأتيك سر الحكمة " لذا فقد فوجيء و فغر فاه عندما سمع ملكه المشدوه المتوتر المطرق في التفكير يأمره بأن يدخل الفتاتين . ذهب لاحضارهما و عدت للخلف قليلاً و أنا جالس على العرش لأنني شعرت إن تلك الجلسة ستطول .
لم تمر لحظات حتى فُتح الباب . دخل منه حارس يدفع فتاة فتدفعه فتاة بدورها متمردة متذمرة ثم تنظر لي بوجه رقيق جميل مليء بالدموع و أندفعت أمامي و ركعت قرب ركبتي و وضعت رأسها في الأرض . ظللت أنظر لها مطولاً . إنها نسخة أخرى مثلها ، جميلة مثلها ، خاضعة مثلها ، حتى إن العيون و ملامح الوجه متشابهة إلى حد كبير .
-"ما اسمك ؟ "
-"عبدتك شلوميت جلالة الملك "
-"اعرضي شكواك "
رفعت وجهها الجميل و بدأت تقول :" تلك المرأة " و أشارت نحو امرأة أخرى كانت قد دخلت للتوها حاملة طفل " تقول على ذلك الطفل ابنها " و اجهشت بالبكاء و هي تستكمل :" مع إنه ابني ، إفعل شيء يا جلالة الملك " و لم تستطع أن تقول و لا كلمة أخرى و أكملت بالبكاء .
نظرت إلى واحد من الحراس :" ما أمر تلك الفتاة ؟ "
-"يا جلالة الملك ، هاتان المرأتان زانيتان تحيان مع بعضهما البعض و كان لكل واحدة كل منهما طفل و تقول المرأة إن الأخرى أماتت ابنها بأن اتكأت عليه اثناء نومها فأخذت ابنها الحي من حضنها و وضعت الميت و أدعت إن الحي هو ابنها "
-"إذاً ، فهما زانيتين .... ايتوني بالطفل "
ذهب الحارس و أخذ الطفل من يد الأخرى و أتاني به . حملته منه بكل رقة و أخذت أنظر له بحنو . كان الطفل جميلاً . طفل ليس له ذنب بأن يلقبه الناس بابن الزانية لخطأ امرأة . ليس الأمر هكذا فحسب . أنا أعلم إنني محظوظ و إن الله يحبني فقد أمات ابن الزنى بعد أن أنجبيته والدتي و لم يجعلني أنا هذا الطفل و لكن ما الذي يضمن لنا (أنا و الطفل) ألا يكون هو ابن زنى حقيقي ؟ ابن خطيئة و مجيئه كان عن طريق الخطأ ؟ للحظة رأيت نفسي في ذلك الطفل و أحببت أن أنقذه من المصير الذي لحق بي ، مصير ابن الزانية . نعم سوف أنقذ ذلك الطفل .
-"أيتوني بسيف " و وضعت الطفل على منضدة و شلوميت على يميني و الأخرى على يساري . أتى لي الحارس بسيف و أعطاني أياه . بدأت الدموع كلها بالقيام بثورة خلف حدقة عيني و أنا أقول بارتعاش نابع عن غضب و بابتسامة تجمع بين الحزن العظيم و رعب الجنون :" تريدون الطفل ؟ حسناً سأشطره و فلتنعم كل واحدة فيكم بنصف لباقي حياتها "
سمعت من يساري :" فليكن ، فكان لابد للشعب أن يضحي بشمشون حتى يخلص و يحيا "
و هنا انفجرت الدموع و الغضب و أنا أرفع يدي بالسيف لأشطر الطفل :" إذاً فلتمت نفس البريء مع عداءاتكم يا زانيات " و كانت الصرخة . فجأة برزت شلوميت من اليمين وأمسكت بيدي الممسكة بالسيف و صارت حائلة بيني و بين الطفل :" لا يا جلالة الملك ، لا تفعل هذا بنفسك ، فلتأخذ الطفل و لكن لا تفعل هذا بنفسك و تميته "
ظللت هي ممسكة يدي مانعة أياها من أن تكمل دورة السيف . في تلك الفترة ، رأيت في وجهها مرآة . كان وجهها هي الأخرى مليئأً بالدموع . أسقطت السيف . نظرت في وجهها ملياً مشدوهاً :" أمي " ثم تركت نفسي أركع على الأرض و أنا أنظر إلى ناحية أخرى محاولاً أن أخفي دموعي و ضعفي :" أنت بالحقيقة أمه ، خذي الطفل و اطردوا الأخرى خارجاً " و قمت و نظرت نحو العرش تاركاً خلفي كل الأحداث من بكاء ، صراخ ، قسوة و... و .. إلى آخره . خفتت الأصوات تدريجياً حتى عم الصمت .
ظللت أنظر إلى العرش لفترة . أستطيع أن أشعر بها هناك.لم أطيل الصمت فبدأت:
-"أترضعي الطفل الآن ؟ "
-" لا أتحمل أن أسمع بكاءه"
-"شلوميت ، هل لي أن أعرف ماذا فعلتي حتى تجعلي حكمة ملك مثلي تنصف زانية مجرمة مثلك ؟ "
-" لم أفعل شيئاً ، فقط دافعت عن حبي "
-"و هل لزانية أن تعرف معنى الحب ؟ و هل لابن زنى أن ينال حباً ؟ "
استطيع أن أشعر بها و هي تبتسم :" نعم ، إن لم تكن هي زانية و إن لم يكن هو ابن زنى "
-" ابن من فيهم هذا يا شلوميت ؟ "
-"ابنه ،ابن حبيبي هذا الذي أنا له ،ابن الراعي الأمين على خرافه ، ابن الانسان ، الذي لابن الآلهة ليس شبيه بل هو هو ، ليس ابن الزانية و لكنه ابن الملك "
-" و إذا كان ابنك ؟ لماذا تركتيه لها ؟ "
-" لست أنانية ، أنا أحبه و لن أرغمه أن يكون لي
و أنا ذكية ، انتظره فأنا أعرف إنه يوماً ما سيعود فلن يجد لمثل حبي مذاق مماثل "
-"شلوميت ... هل تكونين لي ؟ " ثم أستكمل و أنا ألتفت :" هل تقبلين الزواج بي ؟" فما وجدت شلوميت و لا أحتجت أن أجد طفلاً و ابتسمت بامتنان فقد أتت الحكمة و عاد الطفل ... ابن الملك .

Sunday, September 13, 2009

لمحة غضب


تنتظر في احدي المواقف ذلك الأوتوبيس الذي يقلك لبيتك بسلام . نعم من حقك أن تمل عندما يتأخر ذلك الأوتوبيس خاصةً عندما تكون متورطاً في حمل غرض ما كعلبة تحتوي على تورتة هشة عرضة للتدمير مع أي حركة مبالغ فيها . نعم ، يتأخر الأوتوبيس إلا إنه يأتي في النهاية و تركبه . لا ، الحبكة لم تنته بعد . لو إنك محظوظ مثلي فبالكاد ستجد مكان مثلما وجدت أنا لكن ما أطلبه منك - محظوظ كنت أو لا - بأن تلق نظرة من النافذة . انظر إلى تلك السيارات التي تحيق بك من كل جهة و تجعل الحركة بطيئة الأمر الذي يجعلك في بعض الأحيان تلجأ للتاكسي الذي يبتزك فقط توفيراً للوقت لأنك تعلم جيداً إن ذلك الأوتوبيس التي وفرته لك الحكومة يحقق الغرض الذي تريده لكن بعد فوات الأوان و قد يكون تكنيك جديد لها في تعليم شعبها القناعة . بالكاد ينفتح الشارع و يأخذ سائق الأوتوبيس نفساً و ينطلق لتجده فجأة - و يا للعجب - يقف على جانب الشارع . تدقق النظر لتجد إن هناك أحدهم بجانب نافذة السائق - خير اللهم اجعله خير - يتشح بالبياض تعلو وجهه قبعة سوداء و على كتفيه شارات يدعوه الناس أولهم السائق بسعادة الباشا ز كان سعادة الباشا ظابطاً يطلب من السائق الرخص فرفض السائق لسبب منطقي جداً إنه واثق لو إنه أعطى لسعادة الباشا الرخص فلن يراها في ذلك العام على الأقل لذا فقد وقفت مسيرتنا بعد أن كانت قد بدأت تسير . ينزل السائق و تسمع الناس بجانبك يمارسون دورهم الأزلي في استنتاج أصول المشكلة . تبدأ بحث الناس على التجمهر و القيام بفعل ما سوياً حتى تسير القافلة مجدداً كالوقوف على سبيل المثال إلى جانب السائق في محاولة لفض المشكلة فتجدهم بعد أن كانوا يلعنون السبب الحقيقي في التأخر ألا و هو سعادة الباشا الذي تلقى من سعادة باشا آخر أعلى رتبة لمجرد إن الأخير لا يستطيع أن يعود بيتهم ينام بدون أن يجد ضبطية ، اتخذوا كبش فدا آخر منهم يلعنوه أمامك ألا و هو سائق قافلتك . تنزل و تحاول أن تجد حلاً و تنظر للتورتة ثم للظابط و يبدأ الشيطان بالتدخل في المسيرة. نعم قد نكون منعنا أي ظروف تسمح بشيطان الاباحية بأن يأتي لنا إلا إننا نحن من خلق الشيطان الذي يحمل بندقية يصوبها نحو دائرة المباديء . تدفع الشيطان بعيداً و تعود لتجلس في الأوتوبيس لأنك مؤمن إنه حتى ينصلح حال كل فرد في الأوتوبيس و يتحلى بالمباديء مجدداً فلابد أن تبدأ بنفسك أولاً . و لأن الله كبير و يمهل و لا يهمل فقد تدخل سريعاً و فض المشكلة بعد أن رأى و أراك كل رد فعل كان يريد أن يراه . أخيراً ، ستعود لمنزلك و يستقبلونك بالورود و الرياحين لأنه عيد ميلادك . تبتسم في وجوههم و لكن واجه الواقع ففي النهاية ستجلس على الحاسب ليلاً تتحدث مع شاشة و قد تمتب مقالة مثل تلك في حالة ملل و تفكر في نتيجة جهنمية تجمع كل ذلك . لماذا نحن الأوتوبيس الوحيد التي تتجمع فيه كل السلبيات و تستحي سلبية على أن تلغي فاعلية أختها بل تبذل كل المجهود حتى تقويها ؟ و يبدأ السؤال بالتفرع إلى عدة أسئلة صغيرة : إذا كان الابن سيكون عاق فلماذا ينجب الناس ؟ و إذا أخطأوا و انجبوا لماذا يصلوا لتلك المرحلة التي عندما تلقي نظرة من النافذة تجد كل هذا الزحام ؟ و إذا أخطأوا و جلبوا كل ذلك الزحام الذي بالكاد تجلس معه في أوتوبيس فلماذا لا نستغل ذلك العيب في أن نتكاتف ضد كل من هو ظالم و ننقذ كبش الفداء ؟ و إذا كان كبش الفداء نفسه على استعداد أن يطير إلى تلك الدرجة التي معها أوقفه الباشا فلماذا جاءك متأخراً من البداية ؟ تبتسم في النهاية و تغمغم في داخلك في لمحة من الغضب ناظراً إلى الشاشة : يا لك من أوتوبيس يا مصر .....

Saturday, August 15, 2009

اه لو


الوقت متأخر و الجميع مضى إلى بيوتهم و مازلت أنا هنا . لابد أن أذهب أنا الآخر بدوري . لملمت أغراضي و اتخذت طريقي خارجاً من المكان . كدت ابلغ الباب حتى سمعت صوت موسيقى بالداخل . عدت أدراجي و وقفت خلف تلك النافذة التي تفصلنا عن قاعة الرقص التي نتعلم فيها . و قفت هناك أراقب ما يحدث بالداخل و أفلتت حقيبتي أثر قوة ما رأيته . كانت هناك واقفة و مازالت ترتدي ملابس الرقص كاملة و تعقد شعرها على طريقة ذيل الحصان . كانت تبدو و كأنها تراقص شخص وهمي لا وجود له على نغمات الموسيقى . ماذا تشكل بالنسبة لي ؟ أغرب علاقة في حياتي . استطيع الرقص بجدارة كذلك تستطيع هي إلا إننا ما استطعنا يوماً أن ترقص سوياً . دائماً ما تكون المشكلة في وجود آخرين أو عدم وجود مزاج لشخص مننا للرقص مع الآخر في الوقت الذي يتمنى فيه الرقص معه . ما كنا نستطيع أن نفعله - أنا و هي - الرقص مع آخرون و النظر في شماتة لبعضنا البعض إذا كان الآخر يستطيع الرقص أم لا . أستطيع الآن أن أرى في الشحص الوهمي الذي تراقصه جميع الشخصيات اللدين راقصتهم لاثارة حفيظتي و الشماتة بي . أنا لا آبه بكل هذا ، أنا أريد مراقصتها دائماً إلا إنني كنت أكابر . إنه ليس بالأمر الصعب . لا يوجد أحداً و كل ما علي فقط هو أن أسألها ذلك . كانت هناك منهمكة في مراقصة الشخص الوهمي حتى سمعت فجأة صوت خلفها :" هل تسمحي لي ؟ "
أخذت تنظر لي أثر الجملة كثيراً . كان أول تعبير ارتسم على وجهها الفزع ثم اندهشت قليل ثم ارتسم على وجهها تعبير بالرفض و ذهبت و لملمت حاجياتها و أخذت طريقها للخروج إلا إنني كنت اعترض طريقها و تجاهلت تلك النظرة الصارمة التي تطلب مني فيها أن أفسح لها الطريق و قلت لها :" جربيني فقط تلك المرة "
أخذت تنظر لي تلك النظرة التي تجمع بين المقت و الشغف ثم لم تلبث أن ألقت بحاجياتها . رفعت بيدي نحوها فامسكت بيدي و اصطحبتها لوسط قاعة الرقص و أخذنا نرقص و نرقص . لم نكن نحتاج لأن نتكلم فقد كانت أعيننا و أجسادنا تقوم بذلك الدور . فجأة وجدتها تتركني و تلملم حاجياتها و تركض خارجة . تركت نفسي أسقط على أقرب كرسي و شردت في الاسطوانة التي تعمل . موسيقى جميلة ، مهلاًً ؟؟؟
كانت تلك هي الموسيقي التي لطالما احببت أن أرقص عليها و كنت أصمم الرقص عليها و كانت هي ترفض . أخرجت اسطوانتها لأقرأ ما عليها فإذ بي أفاجأ مكتوب عليها " إلى ... " ملحوقة باسمي . يا لها من ليلة ، اه لو يبقى العمر كله تلك الليلة ..... اه لو ...

حفل راقص


اتخذ خطواتي الثابتة و أنا في حلتي الأنيقة داخلاً إلى ذلك الحفل الراقص . ليست تلك هي المرة الأولي لي في هذا الحفل فلطالما حضرته و حفظت مدعويه حتى من لا أعرفه منهم . أراقب هؤلاء اللذين يراقصون فتياتهم و ينظرون لي في ازدراء و كأنني شخص دميم . أراقب هؤلاء اللذين يجلسون في مجدهم تحيط الفتيات بهم من كل جانب و كل فتاة منهن تنافس الأخريات في الاندهاش على ما يرويه حتى تحظى باعجابه . أراقب من فشل في أن يكون أياً من النوعين فاتخذ مكانه خلف المايك أمام فرقة العزف و طفق يغني على ليلاه و على مسامع الراقصين و ذوي المجد . أراقب كل هذا و أنا جالس على منضدتي و أتجرع كأسي . من أنا إذاً فيهم ؟ أنا شخص يهوى الرقص . شخص منذ بدأ التردد على الحفل الراقص كانت الفتيات تطلبن منه أن يراقصهن و كان يلبي لهن رغباتهن شاعراً بالشرف ، الفخر و السعادة . شخص ظل هكذا إلى أن لمح يوماً ذلك البارمان و اقترب منه ، سكر من خمره و تعلم موهبة ما . لم تعد عيناي ترى فقط بل صارت تقرأ ، تخترق و تنفذ . فرحت بالموهبة في البداية و صرت أقول للفتيات أثناء مراقصتي أياهن كلاماً يندى له جبينهن عن معرفتي لما يدور في أذهانن . انبهر الكل في البداية من ذلك الشخص الموهوب و لكن مع الوقت تبدل الانبهار و الاندهاش بعدم ثقة فخوف و صرت أنا منبوذاً . لماذا أنا مازلت هنا ؟ لنفس السبب الذي جعل البارمان الوغد يظل هنا و هو إن صاحب المكان يريد هذا . رأيت الناس فكيف رأوني ؟ هناك من رآني مغرور ، هناك من رآني أغير ، هناك من رآني مقلد إلا إن الكل أجمع و أولهم أنا إنني مسخ . أما عن سبب كوني مسخ فأنا الوحيد الذي أعلمه . هذا لأنني تمنيت أن أكون مثل صاحب الحفل لكن باسلوب البارمان . تمنيت أن أحظى بكل شيء و ها أنا قد خسرت كل شيء . لطالما عشقت في الأفلام دور الوغد الذي يظهر معدنه الأصيل في نهاية الفيلم
و حالياً اتساءل متى تأتي النهاية ؟
تجرعت مرة أخرى من كأسي و بدأ الملل يتملكني و أنا أنظر للكل و هو يراقص و أنا هنا لا أجد ما أحدثه . شعرت بالملل كثيراً حتى ظهرت هي ، الجزء المفضل من يومي . إنها الفتاة التي وقع الوغد في هواها . الوحيدة التي رفضتني لأنها تعرفني جيداً . كادت أن تمر من أمامي لكنها لما وجدت ما أنا عليه من حزن أتت في صمت و جلست أمامي على المنضدة سائلة أياي عن حالي . وجدت نفسي أرد عليها بسؤالها أن تراقصني . صمتت قليلاً ثم وافقت على مضد على أن تكون تلك هي الرقصة الأخيرة . وافقت و صاحبتها إلى وسط القاعة و أنا في غاية الفرح و بدأت أراقصها . كان يكفيني النظر لعينيها حتى أنسى حزني و همي و كوني وغداً منبوذاً ، هذا لأنني كنت أنظر إلى عينيها كما علمني صاحب الحفل لا كما علمني البارمان . درنا سوياً فوقعت عيناي على البارمان الذي نظر لي -و لأول مرة بمقت- و وجدته يخرج محموله و يهمس فيه ببعض الكلمات
و صرت اتساءل متى تأتي النهاية ؟
فجأة انقلب الحفل و تكسر الزجاج و دخل عبره بعض الرجال الملثمين حاملين رشاشات . أطلقوها و خرج البارمان من خلف باره و هو يصيح بصوت عالٍ ظافراً معلناً على سيطرته الكاملة على الحفل طالباً من المدعوين أن يركعوا على الأرض . المدعوون اللذون امتثلوا لأمره و لم يكتفوا فقط بأن يركعوا بل اختبئوا تحت المناضد من راقصين ، أشخاص مهمين و مغنيين . الوحيد الذي ظل واقفاً بثبات هو الوغد المدعو أنا . العله الوقت المناسب ؟ لا أدري لكن ما أدركته بشدة وقوفها خلفي محتمية بي . العلها بدأت تفهم بدورها ؟ نريد ضحية ، هكذا صرخ البارمان و هتف الملثمون خلفه . نظرت له ثم لهم ثم لهم ثم لها . وجدت دموع في عينيها . بدأت تعتذر لي ، بدأت تهذي و تتحدث عن شعورها بالأمان الآن و عادت لتعتذر لي إنها لم تكن تدرك إن ما سيوفر لها ذلك الشعور بالأمان هو ما كانت ترفضه بي . امسكت بيديها و ودعتها بابتسامة . اتخذت خطوات ثابتة نحوه ، العله الوقت المناسب ؟ اتذكر نظرات الناس الكريهة ، اتذكر صاحب الحفل ، أرى البارمان ، أتذكر عينيها في قسوتها ، أتذكر عينيها في دموعها ، أتذكر لمسة يدها في رقصتها ، اتذكر لمسة يدها في وداعها و اتساءل مرة أخرى العله الوقت المناسب ؟ وقفت أمامه بثبات . نظر لي نظرات قاسية ثم سألني إذا كنت متأكداً من قراري . ابتسمت . أخبرته إنه آن الأوان و إنه.....
أخيراً قد حانت النهاية
جاء الوقت لكي يعلم الجميع ماهيتي كما إنه ليس لدي هنا في الحفل ما أخسره . رفع المسدس و أطلق رصاصة .... وسط ابتسامتي

Tuesday, April 21, 2009

رقم خمسة


وقفت بحصاني لأنزل و ابتاع أي شيء آكله . وقفت أمام البائع و أخرجت محفظتي و نظرت فيها :" اللعنة " نقودي تقرب على الانتهاء .
ابتعدت بنظري عن البائع و أخذت أجول بنظري في المباني حتى هبط على كازينو . نظرت له للحظات ثم ارتسمت على شفتي ابتسامة . دقائق و فُتح باب الكازينو بيدي .
اللعنة ، حيرة كل مرة : أي لعبة ؟
يعرفونني في المدينة باسم المقامر فأنا لا عمل لي و لكنني أصنع نقودي و أموالي من مثل تلك الأماكن ، و المقامر المحترف له شروط أولاً ، اختيار اللعبة المناسبة
ثانياً ، مثلما تقول الأغنية القديمة أن تضع لنفسك قواعد أهمها قاعدة اختيار الأوقات المناسبة ، اختيار وقت المراهنة ، اختيار وقت الانسحاب ، وقت الذهاب إلى آخره . قاطعت عيوني تفكيري :"إنها الروليت ، إذهب إلى هناك " فيرد تفكيري .
الروليت ؟؟ لعبة جميلة و أشعر إنها اللعبة المناسبة لي اليوم . حسناً ، فليكن .
عدلت من وضعية قبعتي و اتخذت طريقي نحو المنضدة . دخلت وسط المراهنين و كانت بداية اللعبة الجديدة .
وضعت القليل و قلت :" أراهن على 16 "و لم يأت 16 .
نسيت أن أخبركم إن أهم الشروط في المقامر و أسوأها هو ... الحظ ذلك الشيطان الذي لا كبير له . تذكرت تلك المعلومة البسيطة و أنا أخرج المحفظة من جديد و أضع قليلاً من النقود مرة أخرى مراهناً تلك المرة على :" رقم 2 "
سحبت بفمي إحدى سجائري الرخيصة من علبتها و أشعلتها . في الروليت ، لا تضع أبداً ثقتك في رقم بعينه . كن نذلاً مع الأرقام فالنقود و فقط النقود هدفك و مسعاك .
لم يأت 2 ، لا تيأس ، فقط إخرج محفظتك و ضع نقودك و راهن على :" 7 " و أقولها وسط الدخان .
و لم يأت 7 . لعنة القمار إنه لا قواعد له و ما قلته لك لا يتعدى شيئاً في بحره الواسع .
يتبقى القليل فماذا أفعل ؟ قاعدة جديدة ، لابد أن أبحث عن واحدة جديدة . إن كان الحظ لا يريد أن يأتي سأذهب له ، سأبحث عنه . درت بعيني في المكان و أخرجت السيجارة من فمي و نفثت دخان و من وراء الدخان لمحته . إنه أحد هؤلاء الأغنياء اللذين يترددون على المكان بغرض الأكل و الشرب و العطف على المساكين لا المقامرة . بسبب الدخان ، لم أستطع أن أتبينه إن كان ينظر لي إلا إنه أقدم على فعل ما فقد رفع كفه اليمنى و حياني . فهمت رسالة الحظ و عدت للمنضدة و أنا أضع رهان لكن تلك المرة على :" 5 " و لم يأت 5 . و كأنني كنت انتظرها و لكن تلك المرة وضعت رهاني على :" 5 "
لم أستطع أن أتبين نظرة الغني و لكنني استطعت أن أتبين نظرة الديلر الذي أعلم تماماً - و أكاد أقسم على هذا - إنه ينعتني بالغباء في داخله الآن . لم يأت 5 . هزيمتي تلك المرة منحته الحق تلك المرة أن يعبر عن رأيه فيا بابتسامة مستهزئة . لم أركز في رد فعله لأن تركيزي كان على :" رفم 5 من فضلك " بدأ اندهاش الديلر ينتقل لمن حولي .
لم يأت 5 " 5 " فأخسر و بدأ البعض يسخر بشكل و اضح و أنا أتجاهلهم و أردد " 5 " و بدأ عدد اللاعبين يزيد منهم من يعرف إنه سيكسب على حساب هزيمتي و منهم من يضع رهانه على رقمي لهدف مزدوج فلو لم يكسب من رقمي فسيحظى بالسخرية مني. على مدار الوقت ، أصبحت المزحة سخيفة و بدأ عدد اللاعبين يقل و ما تبقى هو بعض الأحاديث عن ذلك الغبي الذي يراهن على رقم ثابت بعينه و لم يكسب و مازال على حمقه . الأغبياء لا يفهمون .
كان سيكون لهم كل حق لو إن من يسخرون منه هذا يدعي إنه مقامر إلا إنني أعلم تماماً إن ما أفعله الآن ليس درب من دروب المقامرة .
هاهاها ، لم أعد مقامراً فقد أصبحت مجنوناً .
إنه ليس درب من دروب المقامرة . إنه أمر فوق ابليس الحظ . أمر راقي يجعلك تشعر شعوراً جديداً بأنك انسان وفي لن تترك رقم مهما فعل بك و أهانك . أمر يخضع لقاعدة ثابتة : إن الصح صح . أمر يدعى ببساطة ... الأيمان .
قد يبدو ما سأقوله جنونياً لكنني سأقوله :
لأول مرة أحترم نفسي و أراها أرقى من مجرد حيوان يسعى وراء اشباع ذاته و شهواته فهدفي لم يعد الأموال بل أصبح رقم خمسة.
مازالوا يضحكون . أغبياء . لم يأت 5 . أخرجت محفظتي و وجدت إنه لم يعد يتبقى لي إلا عملة بخمسة . نظرت للديلر و لم يكن متبقي إلانا فوضعت رهاني وقلت للمرة الأخيرة بعينين دامعتين و ابتسامة واثقة :" رقم ... خمسة "
و على مرأى و مسمع من محفظتي الخاوية ، دارت عجلة الروليت و للمرة الأخيرة . و ..... مازالت تدور .

Saturday, April 11, 2009

من يظن الشيطان نفسه؟


ها أنا أسير أسيراً لليل بسواده و نجومه ، أجوب الطرقات بعد أن سادني ملل مشاهدة فيلم السهرة الأمر الذي دعاني للخروج .
أسير وحيداً تاركاً لخيالي العنان لعله يقدر على تسلية شخص ممل مثلي .
أسير
و عيني ليست مع الطرقات بل مع الأثير
من أحداث بعضها ممل و المعظم مثير .
فجأة استيقظ على صوت أحدهم :" أين تظن نفسك ذاهباً ؟"
الصوت يشبه فحيح الحيات
التفت فأجده هالة من السواد .
-" من تظن نفسك لتمنعني ؟"
-" إنني الشيطان " هنا فقط يلمع وجهه و أستطيع أن أتبين تلك العيون الحمراء و كأنه يحتوي الجحيم نفسه .
ابتسم في استخفاف فيظنني لا أصدقه مما دفعه ليفغر فاه بشده عندما أجبت :" و هل هذا يمنحك الحق الكافي لازعاجي ؟"
-" أقدم من البشرية و صراع دائم مع ابناء جنسك يشوبه الحب و الحرب و تسألني عن الحق ؟"
-" انظر إلى نفسك
ها أنت تبدو كواحد من الشحاذين
مسكين محاط بمساكين "
-" أصبحت هكذا لأنني استطعت و لو لمرة واحدة أن أقهر إلهك و أهين العظيم فأصير بهذا أعظم "
خاف لما صرخت فيه :" فعلت هذا لأنك غبي
لأنك أحمق
لأنه استطاع أن يستدرجك و خدعك "
-"إن كنت لا تريد أن تسمع كلامي و تلزم بيتك لأجلي
افعلها كما يفعلها ابناء جنسك لأجله
احتراماً لطريق اهانته و ذله "
يقول هذا فأبدأ بالدوران حوله :
-" ليس بالبقاء في المنزل فقط يستطيع الانسان أن يعطيه وضعه فكثيراً ما جلست في منزلي إلا إنني ..."
و أنظر له
و أشير نحوه :
-" كنت أفعل مثلك بل و كنت أتفوق عليك " و اقتربت منه و تأبطت ذراعه :
" هذا لأن صلبي له كان مختلفاً
يحمل العديد من دروب الفن "
-" ماذا تقصد ؟"
-" إنك فقير جداً يا عزيزي الشيطان فقد كنت تمارس دوراً واحداً في هذا الأسبوع أما أنا فقد كنت بالبراعة الكافية أن أكونهم كلهم ، يوم الأحد أتجه إلى نخلة و أقطع بضعاً من السعف عائداً إلى هذا الملك الذي يعلو الجحش ابن الاتان مهللاً مع الناس و صوتي يذوب مع صراخهم أوصنا الآتي باسم داود ،
أعيش أسبوع كامل بكل المشاعر و الأحاسيس
حتى أصل لذروتي يوم الخميس
أبيعه و أهرب تاركاً اياه و أصرخ في بطرس : أنت تعرفه فأنكر
و أخاف حبل المشنقة فأبكي
و أتذكر حينها إنه غسل قدمي فأغسل يدي متبرئاً من دمه الذي كان على رأسي و ملأ يدي عندما جلدته ، ضربته بالحربة و صلبته .
صلبته و أنا أصرخ له : اذكرني متى جئت في ملكوتك و أنا أعلم إنه يحررني الآن من قيود الظلمة و ظلال الموت . صلبته و أنا أعلم تماماً إن تلاميذه ليسوا بحاجة ليسرقوه لأنه سيفي بوعده يقوم .
صلبته بتبجح ليس عن جهل مثلك فأنا أعلم إنه سيقوم لأنه الإله و ابن الله " ثم أطرقت :" يا عزيزي إنني أكثر عبقرية منك فأنت حاولت أن تهينه من الخارج أما أنا فألبس جسده و أجعل أعضاءه أعضاء زانية " و أصبح صوتي مخيفاً تعلوه ابتسامة أكثر رعباً :
-" أعلمت الآن إن الانسان أقوى من الشيطان فمن يظن الشيطان نفسه ؟ الانسان يستطيع أن يصير الأعظم لأن القوتين الباقيتين غير قادرتين على ردعه ، الشيطان لأنه غبي و الله لأنه يحبه " و أريته المعنى الحقيقي للابتسامات الخبيثة و أنا أقول :" أرأيت عبقرية أكثر من هذا ؟ "
ظل مشدوهاً مذهولاَ ثم فجأة رفع قبعته و انحنى . نظرت له لمدة ليست بكبيرة ثم غمغمت :" غبي " و مضيت .
-" بل أنت الغبي ، لو كان الحب لا يستطيع أن يردع لما صرت على ما أنا عليه و لما أتخذه الله له اسماً " قالها و أنا ابتعد معيد القبعة على رأسه و يقف من جديد تعلو وجهه ابتسامة استخفاف قبل أن يمضي هو الآخر في طريق آخر

Tuesday, January 6, 2009

صاحب المزود


تعالوا إلي أيها الأطفال فأقص عليكم قصة صاحب المزود .
في سالف الأزمان ، كان هناك رجل كل ما يستحوذ عليه في حياته هو مذود و كان من يعرفه من الناس يدعوه صاحب المذود نظراً لمعرفتهم إلى أي مدى ذلك المذود غالي عند هذا الرجل .
كان صاحب المذود يحب مذوده بشده و كان هذا يثير دهشة من حوله نظراً لأن المذود كان من أحقر ما يكون ، لا يحتوي إلا على بعض حيوانات الحي منها و الميت المتحلل الذي يطير حوله الذباب من جميع الجهات مع وجود ثابت للفضلات و زيادتها .
على الرغم من هذا ، كان صاحب المذود يواظب على سلوك غريب جداً ، كان يكتب الرسائل و يبعث بها يومياً إلى ملك الولاية يطلب منه أن يتذكره ، يرفعه من تلك النكبة و يطلب منه طلب غريب جداً و هو أن يبعث بكناسين القصر حتى ينظفوا مذوده الثمين .
عرف الناس بذلك السلوك و بدأ البعض يسخر و البعض يعزي و البعض يتطوع لتنظيف المذود إلا إن صاحب المذود أولاهم ظهره و لم يستمع لصوتهم و كف عن إرسال الجوابات و بدأ يكتفي بالدخول إلى مذوده كل ليلة و يغلق بابة و يجلس منتظراً .
لم يكن يعرف ماذا ينتظر أم إنه لا ينتظر أصلاً و يهرب من نظرات الناس؟ لم يكن يدري .
في ليلة من الليالي ، سمع دقات متتالية على الباب . فتح ليجد رجل عجوز لا يستطيع حتى الوقوف و مستند على عصاه .
-" أيوة ، نعم "
-" ممكن يا بني نقعد عندك الليلة دي ؟ "
-" آسف يا بويا بس أنا مستني ناس " و هم باغلاق الباب إلا إن العجوز أوقف الباب بقدمه .
-" أرجوك يا بني ، مراتي حامل و في التاسع و شكلها هتولد النهاردة "
نظر صاحب المزود حيث أشار العجوز فوجد سيدة حامل تعلو جحشاً صغيراً .
-" مذود ده يا بويا مش مستشفى "
-" و إحنا قابلين ، أرجوك يا بني أرجوك " نظر صاحب المزود إلى وجه العجوز المتوسل ثم إلى وجه المرأة الحزين ثم صمت قليلاً و قال بتذمر :" اتفضلوا " و سبق إلى الداخل و بعد قليل وجد العجوز يدخل و يجر وراءه الجحش الذي يحمل الحبلى .
جلسوا في صمت . كان صاحب المذود لسبب أو لآخر يشعر بالحرج من قذارة المكان إلا إنه كان يعزي نفسه بأنهم ليسوا بالأشخاص المهمين و إنهم سوف يقضون ليلة فحسب و يذهبون .
استفاق من تفكيرة على صوت آنات متتالية من المرأة و عرف إن الوقت قد حان . لم يعد يتحمل الوجود في ذلك الجو المشحون بالقلق . قام من مجلسه و خرج . كان و هو بالخارج يستمع إلى الصرخات بالداخل و كان غاضباً لأنه لا يحمل ذنباً حتى يتحمل كل هذا .
فجأة ، تهدأ كل الصرحات و يسمع صوت بكاء خفيف لطفل . وجد نور عظيم فوقه . نظر ليجد نجم كبير في كبد السماء يقترب و يقترب حتى استقر فوق مذوده . بدأ الضيوف يهلون . كانوا بعضاً من الرعاة و قد دخلوا المذود دون أن يستأذنوه أو يعيرونه اهتماما و هم بأن يوقفهم ليجد ناس ذات ملابس غالية الثمن أتوا و نزلوا من على أحصنتهم . ظنهم رجال الملك و قد استجابوا لرسائله . لعن كل من داخل المزود في سره ثم اتجه نحوهم :" أهلاً و سهلاً ، شرفتونا " و لما اقتربوا أكثر اتضح لهم إنهم يحملون أفخم الهدايا :" و كمان جايبين معاكم الهدايا ، الموضوع مش مستاهل يعني ده بالعكس ده أنا اللي المفروض اعتذر إنني مكنتش جاهز و مفضتش مزودي قبل ما تيجوا " لم يرد أحدهم عليه بل اجتازوه و تركوه و كأنه شيئاً لم يكن . لم يعد يفهم شيئأ مما يحدث . ظل مزوده يحمل نور النجم .
مضت ساعات ثم بدأ النجم يعلو و يعود لسماه . بعدها ، رأى الرعاة و الأغنياء يخرجون من مزوده و يذهبوا . ظل واقفاً لفترة بدهشة ثم تمتم "أغبياء" . دخل المزود بسرعة ليجده قد أصبح و كأنه لوحة لفنان عبقري و لم يعد هناك وجود للقاذورات كما إنه لم يعد هناك لا العجوز و لا المرأة لكنه وجد الطفل و وجد جميع الحيوانات تشدو حوله بسيمفونية واحدة كلً بلغته .
اقترب منه و وجده أروع جمالاً من بني البشر .
و الآن ماذا ستفعل يا صاحب المزود الفقير ؟ حتى متى تنعتهم بالغباء ؟ و ماذا ستفعل في السنين المقبلة بذلك الطفل ؟ و ماذا عن مزودك ، إلى أيكما ستملكه ؟ إنه قرارك وحدك ، القرار الذي تملكه فقط بعد المزود يا .... صاحب المزود